لودريان في بيروت موفداً دولياً هذه المرة
يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت في محاولة جديدة لإيجاد السبل الآيلة لمعالجة الأزمة السياسية بما فيها إنهاء الشغور الرئاسي وتشكيل السلطة ووضع خارطة طريق لتطبيق الإصلاحات الإدارية والإقتصادية والنقدية المطلوبة. وقد أشارت تقارير عديدة مصدرها العاصمة الفرنسية أن الموفد الفرنسي ليس في صدد التحضير لحوار بين أهل السلطة في لبنان أو لاقتراح تسويات أو صفقات على قاعدة الإتّفاق على شخصيتين لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وتعيينات أخرى كما درجت العادة، بل هو بصدد إيصال مجموعة من الرسائل والتحذيرات.
لودريان العائد الى بيروت هذه المرة ليس موفداً فرنسياً بل هو موفد المجموعة الخماسية بشأن لبنان التي تضمّ ممثلين عن كل من مصر وفرنسا وقطر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية والتي أصدرت بيانها في 18 يوليو/تموز الجاري، وهو موفد البرلمان الأوروبي الذي كان له بتاريخ 13 تموز/يوليو موقفاً صارماً حيال الأزمة اللبنانية بكل مضامينها، من الأزمة السياسية والسلاح غير الشرعي، والأزمة الإقتصادية، وتعطيل الإستحقاقات الدستورية من انتخاب رئيس للجمهورية والإنتخابات البلدية، وكذلك تعطيل تحقيقات إنفجار مرفأ بيروت والفساد وسوء الإدارة. ولودريان كذلك هو موفد الأمم المتحدة التي أصدر أمينها العام أنطونيو غوتيريس في 13 تموز/يوليو تقريره السنوي حول تطبيق القرار 1701 استناداً لما قدّمته منسّقة الأمم المتحدة الخاصة في لبنان «يوانا فرونتسكا» من معطيات عن الفترة الواقعة ما بين 21 شباط إلى 20 حزيران 2023، والذي بنى على أساسه غوتيريس تقريره».
نقاط التقاطع بين التقارير الثلاثة الدولية واضحة، كذلك نقاط التكامل في ما بينها. وإذ يتقاطع تقريريّ المجموعة الخماسية مع قرار البرلمان الأوروبي حول تشخيص أسباب الأزمة السياسية وتحميل الطبقة الحاكمة في لبنان والأحزاب المسلحة بشكل غير قانوني مسؤولية عرقلة العملية الديموقراطية والدستورية، وحول الدعوة لحل مسألة الشغور في رئاسة الجمهورية عبر الدستور من دون شروط، فإن المرجعيتين الدوليتين تؤكدان على اللجوء الى اتّخاذ إجراءات وعقوبات بحق كل من يعرقل العملية الإنتخابية.
أما في ما يتجاوز الشغور الرئاسي فقد أكدت المجموعة الخماسية والبرلمان الأوروبي على «أهمية تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن الدولي والإتفاقيات والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الإلتزام بوثيقة الوفاق الوطني»
أما نقاط التكامل مع تقرير الخماسية وبيان البرلمان الأوروبي فقد أوردها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي استعرض الخروقات المستمرة للقرار 1701 المرتكبة من قبل العدو الإسرائيلي والإنتهاكات التي ارتكبها لبنانيون يرتدون الملابس المدنية عبروا إلى جنوب الخط الأزرق. وقد لفت التقرير إلى جمعية "أخضر بلا حدود” التابعة لحزب الله بقوله «رغم الطلبات المتكررة المقدمة إلى الجيش اللبناني، لم تُتح للقوة المؤقتة إمكانية الوصول بشكل كامل إلى عدة مواقع بما في ذلك مواقع تابعة للجمعية».
وتحت عنوان «نزع سلاح الجماعات المسلحة» أكد التقرير أنه «لم يُحرَز أي تقدم ومازال حزب الله يعترف علناً بأن لديه قدرات عسكرية، ولا يزال احتفاظ حزب الله وجماعات أخرى مسلحة خارجة عن نطاق سيطرة الدولة في انتهاك القرار 1701 يعيق قدرة الدولة على ممارسة كامل سيادتها وسلطتها على أراضيها . وقد أدان غوتيريس بشكل صريح إحتفاظ حزب الله وجماعات مسلحة أخرى غير تابعة لدول بأسلحة غير مأذون بها لا تخضع لسيطرة الدولة».
تكتمل مع التقارير الثلاثة فصول المواجهة بين الطبقة السياسية في لبنان والمجتمع الدولي. ففيما يمكن للإتحاد الأوروبي فرض عقوبات على سياسيين لبنانيين في حال أراد، إن لم يلتزموا بالقرار، فإن لبنان يصبح ملزماً بتنفيذ القرار الأوروبي إذا تبنته الأمم المتحدة. ناهيك بما سيتخذه مجلس الأمن من إجراءات بعد عرض تقرير الأمين العام عليه الذي كان واضحاً في ترسيم الوضع الميداني الهش للدولة اللبنانية وعجز سلطتها السياسية عن فرض سيطرتها على الحدود.
وإذ تبدو ظروف المواجهة غير متكافئة مع المجتمع الدولي في ظلّ إجماع على عدم عقد تسويات مقفلة الأفق في لبنان، يتساءل اللبنانيون حول حدود المغامرة التي قد يذهب إليها محور طهران في لبنان والأثمان المترتبة على ذلك. فهل نسمع من جديد عبارة لو كنت أعلم؟
العميد الركن خالد حماده - اللواء