نازحو سوريا قد يعودون لغير مناطقهم.. مع إلغاء نَسَبَهم الجغرافي
لطالما قيل إنّ الاختبار الأهمّ للتفاهمات السعودية الإيرانية ومناخ الاسترخاء الإقليمي هو في سوريا، ولا سيّما في شأن أولويّتين تتقدّمان القضايا الشائكة المتراكمة في العلاقات العربية السورية: مكافحة تصنيع الكبتاغون وتهريبه اللذين مصدرهما الأراضي السورية، وبدء خطوات إعادة النازحين السوريين من الأردن ولبنان وغيرهما من الدول العربية إلى وطنهم الأصلي.
هاتان الأولويّتان وردتا في بيان الاجتماع الخليجي العربي في جدّة في 14 نيسان الماضي (وزراء خارجية دول الخليج الستّ، إضافةً إلى العراق ومصر والأردن وسوريا)، الذي انطلقت منه جهود عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ثمّ في اجتماع عمّان في الأوّل من أيار الماضي، وبعدها نصّت عليهما مقرّرات القمّة العربية في جدّة في 19 و20 أيار الماضي.
على الرغم من الجهود السعودية الحثيثة لتشجيع دمشق على التعاون في شأنهما، سُجِّلت عقبات وعراقيل عدّة، نظراً إلى الحاجة إلى ملاءمة التقدّم فيهما مع الحاجة إلى تسويات إقليمية ودولية حول سوريا.
الإخلال بوعود مكافحة التهريب إلى الأردن
نبدأ من الإخلال بالوعود السورية:
- أوّلاً: مكافحة تصنيع المخدّرات وتهريبها من المرافئ السورية وعبر الحدود اللبنانية والأردنية. في ما يتعلّق بلبنان أثمر التنسيق اللبناني السوري واللبناني الخليجي رقابة أكثر تشدّداً خلال السنة الماضية نتيجة إجراءات القوى الأمنيّة، ولا سيّما أنّ الجيش اللبناني كثّف اقتحاماته لمعامل تصنيع المخدّرات في البقاع، وهو ما أدّى إلى الكشف عن مزيد من شحنات التهريب عبر المرافئ اللبنانية من دون أن تتوقّف كليّاً. هذا في وقت أشارت بعض الأوساط العربية إلى أنّ عمليّات التهريب عبر الأردن بقيت ناشطة خلافاً للوعود التي تلقّتها عمّان من المسؤولين السوريين.
من الدلائل على ذلك:
- أنّ الأمر كان في صلب المباحثات خلال زيارة نائب رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية أيمن الصفدي لدمشق واجتماعه إلى الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره فيصل المقداد في 3 تموز الجاري.
- أنّ عمّان اتّخذت خطوات صارمة فتصدّت أجهزتها الأمنيّة والعسكرية خلال الأسابيع التي سبقت الزيارة لعمليّات تهريب، فقصفت المسيَّرات التي يستخدمها المهرّبون لنقل المخدّرات والأسلحة عبر الأجواء السورية الأردنية، واشتبكت مع عصابات التهريب في البرّ.
القصف رسالة
- نصل إلى القصف الذي نفّذه سلاح الجوّ الأردني داخل الأراضي السورية في 8 أيار الماضي، بعد 8 أيام على اجتماع عمّان الوزاري، الذي استهدف منزل ومصنع أحد كبار مهرّبي المخدّرات عبر الأردن، وأدّى إلى مقتل مرعي الرمثان وعائلته المؤلّفة من زوجته وأطفاله الستّة. كانت تلك خطوة نادرة أقدمت عليها عمّان، بعدما رصدت تكثيفاً لعمليّات التهريب إثر اجتماعَيْ جدّة والأردن اللذين وعد خلالهما الجانب السوري بإجراءات صارمة ضدّ التهريب. وخلافاً لِما قيل في حينه من أنّ الخطوة الأردنية تمّت بالتنسيق مع الجانب السوري، فقد كانت هذه الخطوة بمنزلة رسالة إلى دمشق بأنّ عمّان لن تتساهل تجاه تساهل السلطات السورية مع استمرار التهريب. وتكمن جدّية الخطوة في أنّ تحليق الطائرات الأردنية فوق الأراضي السورية يحتاج إلى تنسيق مع دول عدّة لضمان أمن الطائرات الأردنية، ولا سيّما أنّ من المحتمل أن يحصل تحليق إسرائيلي في الأجواء السورية.
تشدّد الصفدي في شأن المخدّرات والحلّ السياسيّ
- عنوان التهريب اتّخذ حيزاً مهمّاً من تصريحات الوزير الصفدي إثر اجتماعه بالأسد والمقداد. وهو استخدم، بلا مسايرة دبلوماسية، عبارة شبيهة بالتي جاءت في تصريحه عن الغارة التي نفّذها الجيش الأردني في 8 أيار الماضي: "التهديد الكبير (للمخدّرات) للمملكة والمنطقة"، وقال: "سنعلن أيّ خطوة لضمان أمن الأردن في الوقت المناسب". وذلك في تكرار لما قاله في دمشق من أنّ "تهريب المخدّرات خطر حقيقي يتصاعد، والأردن سيقوم بما يلزم لحماية أمننا الوطني من هذا الخطر".
- كذلك تردّد أنّ إخلال دمشق بوعود قطعتها لعمّان يعود إلى امتعاض القيادة السورية من الإلحاح الأردني على أن ينسجم الحلّ السياسي مع القرار الدولي 2254، وفق منهجية "الخطوة مقابل خطوة" التي تقتضي تقدّم النظام خطوة من أجل أن يقابلها المزيد من خطوات الانفتاح العربي، وإيجاد تسويات مع المعارضة السورية. لكنّ محيط الأسد يرفض ضمناً الحديث عن مندرجات القرار الدولي لأنّه يعتبر أنّه انتصر على خصومه، ولا يريد اعتماد مبدأ "الخطوة مقابل خطوة" الذي كرّر الصفدي الحديث عنه.
تأخير في العودة الاختباريّة من الأردن
- ثانياً: إنهاء معاناة النازحين السوريين، ومعظمهم من السُّنّة، في كلّ من الأردن ولبنان، وتخفيف عبئهم على اقتصاد البلدين، شكّلا الضلع الثاني من مقتضيات التطبيع العربي مع النظام في دمشق، إضافة إلى مكافحة تهريب المخدّرات.
هذا ويُنتظَر أن تخضع عودة هؤلاء من تركيا لآليّة سياسية مختلفة. وقد تُركت للجهود الروسية مهمّة التطبيع بين أنقرة ودمشق في إطار اجتماعات رباعية روسية سورية تركية إيرانية رعتها موسكو يُؤمل أن تُتوّج بمصالحة الأسد مع الرئيس رجب طيب إردوغان.
لكن بعد شهرين ونيّف، لم ينفَّذ البند (من بيان عمّان) المتعلّق بعودة ألف نازح من الأردن (من أصل 1.3 مليون نازح) في إطار خطوة اختبارية. وكرّر الجانب الأردني التأكيد على هذا البند بعد زيارة الصفدي لدمشق، وعلى ضرورة تشكيل لجنة مشتركة لمناقشة التدابير التقنية.
خطّة لبنانيّة طموحة
وعد وزير المهجّرين عصام شرف الدين بخطوات عملية في شأن لبنان بعد زيارات عدّة لدمشق ناقش خلالها خطة حكومية للعودة، وتنتظر هذه الخطوات زيارة وفد وزاري بتكليف حكومي بعد أيام، برئاسة وزير الخارجية عبد الله بوحبيب. وقد تشكّلت اللجنة بطلب من دمشق وإلحاح من الحزب، لتكريس الاعتراف السياسي بالقيادة السورية وتطوير العلاقات على المستوى السياسي.
ستشكّل الأرقام الطموحة لخطّة لبنان في المرحلة المقبلة امتحاناً لنوايا دمشق، فيما تشكّك أوساط دولية في رغبة الجانب السوري في استقبال هؤلاء النازحين. وكان الوزير شرف الدين نقل عن مسؤولين سوريين "استعداد دمشق لاستقبال زهاء 180 ألف نازح في مرحلة أولى، في مراكز إيواء مجهّزة لاستقبال هذا العدد مباشرة، بالإضافة إلى بعض القرى التي سلِمت بيوتها من الخراب وتمّ تأمين البنى التحتية فيها"، على أن يتبع ذلك استقبال 15 ألف نازح كلّ شهر.
تفترض الخطّة، حسب شرف الدين، جملة إجراءات، منها:
- تسهيل تسجيل مكتومي القيد السوريين.
- تأجيل خدمة العلم للنازحين في الدولة السورية، وإعطاء مدّة زمنية للالتحاق وتسوية أوضاع المتخلّفين عنها، وإيجاد وظائف في خطط الإعمار للعائدين.
- بتّ موضوع المساجين السوريين في لبنان (1,700) الذين يرغبون بإتمام محكوميّتهم في سوريا.
- إمكانية إصدار عفو رئاسي يشمل جميع المواطنين، حتى مَن حمل السلاح منهم.
عودة استنسابيّة... وتغيير ديمغرافيّ
تخضع مشاريع عودة النازحين للكثير من اختبارات النوايا، ولشروط تتعلّق بإعمار ما تهدّم لضمان إيوائهم. وهذا يرتبط بدوره بحلقة مفرغة تقود إلى السعي السوري إلى رفع العقوبات الغربية عن تمويل إعادة الإعمار. فالأسد ربط "العودة الآمنة" بـ"ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة، ومتطلّبات الإعمار والتأهيل بكلّ أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر" التي وضعت خططها منظّمات الأمم المتحدة المعنيّة باللاجئين.
إلا أنّ معطيات أوساط سياسية تتابع ما تنويه الدول العربية المعنيّة بالتمويل تذكّر بقول الأسد: "العودة الآمنة للّاجئين إلى قراهم وبلداتهم أولوية بالنسبة لسوريا"، وبأنّه سيردّ على التشكيك في رغبة دمشق بإعادتهم بموقف مفاجئ وخطوات عملية في الأشهر القليلة المقبلة، وفق مخطّط ضمني يكرّس التغيير الديمغرافي الذي سبّبته الحرب في بلاد الشام.
تتحدّث المصادر عن عودة وفق الآتي:
- العودة الكثيفة ستكون من الأردن قياساً إلى لبنان، لأسباب سياسية.
- ينتظَر أن تموّل دول خليجية، في طليعتها السعودية، خطط البناء بصرف مبالغ للإعمار في سوريا وتقديم مساعدات للأردن.
- لن يعود النازحون إلى مناطقهم الأصلية، بل إلى مراكز إيواء مؤقّتة ثمّ إلى أبنية عمودية تشاد خصيصاً لهم، بحيث لن يستعيد مَن صودرت أملاكهم صكوكاً بحقّهم في قراهم وبلداتهم. وما نشرته "أساس" أمس عن استعداد لتعديل قانون الأحوال الشخصية المدنية بحيث تُلغى الخانة الجغرافية لأصول المواطن، مؤشّر إلى الإعداد لذلك (راجع مقال الزميل خير الله خير الله).
وليد شقير - أساس