سردية وحدة الساحات تبخرت..وحلفاء الحزب ينقذون انفسهم
شربل مخلوف
المركزية - مع إعلان اسرائيل الحرب الشاملة على لبنان منذ 27 أيلول، بدأت مواقف جبهة الممانعة تتضعضع وساد تشتت داخل صفوف مؤيديها. فإقليميا تخلى النظام السوري عن دعم حزب الله عسكريا وبدأ بقمع مناصريه وقيادييه داخل المناطق السورية وإقفال مراكز تابعة له تخوفا من أي استهداف اسرائيلي يطال القيادة السورية، علما ان أقل واجب على الرئيس السوري بشار الأسد أن يساند حليفه لأن الأخير لم يتأخر بمساندته إبان اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
أما داخليا، فحمّل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حزب الله مسؤولية الخطأ الاستراتيجي الخاص بوحدة الساحات. كما قال: " اختلفنا مع حزب الله بسبب الحرب الحالية ولسنا اليوم في وضع تحالف معه". مضيفا: " أسقط عن لبنان حجة الدفاع عن النفس بإسناد غزة " واعتبر أن إيران تقاتل بالحزب وباللبنانيين. تصريحات مفاجئة من قبل باسيل لحليف مار مخايل "في السراء لا في الضراء"، لكنها متأخرة، بعدما اسهم التفاهم في تقوية الحزب ومنحه غطاء مسيحيا شرعيا وبسط نفوذه على مساحة لبنان وحتي في المناطق المسيحية عبر شراء الأراضي والعقارات وانشاء سرايا المقاومة ، كما كان له دور كبير بقمع ثورة17 تشرين والاعتداء على الأحرار لأنه تعهد بعدم إسقاط عهد الرئيس السابق ميشال عون في الشارع.
اما المفاجأة الكبرى فجاءت من رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب حيث قام بشن هجوم حاد على إيران بقوله: " هذا هو البازار الذي يتقنونه وإيران لن تدخل الحرب وعلى لبنان فعل مصلحته... ولا أثق بمفاوضي هوكستين في لبنان لأنهم يتكلمون لغتين". وبعد إغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بدأ يهاجم بعض القيادات لاسيما بعد الحملة الممنهجة على محطة "أم تي في" حينما قال: " أن هناك شخصا معتوها يعطي أوامر بمهاجمة المحطة ولكن اذا لم يرتدع سأقوم بتسميته" معتبرا أن هذه ليست طريقة بمهاجمة كرامات الناس.ولكن بعد كل هذا قام وهاب بلقاء وزيرالخارجية الإيراني في منطقة الشرق الأوسط محمد رضا رؤوف شيباني وجرى بحث في الوضع المتفجر في لبنان والمنطقة .وقد تناول وهاب الغداء على مائدة شيباني الذي أكد أن" الجمهورية الإسلامية في إيران ستقف الى جانب لبنان مهما كلف الأمر ولن تتخلى عن دعمه".
إزاء مجمل هذه التقلبات لحلفاء حزب الله يسأل كثيرون عما اذا أصبح وحيدا في مواجهة إسرائيل بعدما قدم الدعم لهم سياسيا الى الحد الأقصى وهل يقدمون أوراق اعتمادهم للدول الغربية لإبعاد الخطر عنهم وحفظ مكان لهم في اليوم التالي؟
يقول الكاتب والباحث السياسي الياس الزغبي لـ"المركزية" تظهرت نظرية "وحدة الساحات" على حقيقتها لناحية تفكك أواصرها وتشتت أهدافها، وقد انكشفت هذه الحقيقة خصوصا بعد عملية طوفان الأقصى وما رافقها من احتجاجات مكتومة سواء من طهران نفسها أو من اذرعها الأخرى وخصوصا حزب الله. صحيح أن الحزب بادر غداة طوفان الأقصى إلى إعلان حرب الإسناد والمشاغلة ضد إسرائيل وتحول مع مرور الزمن إلى حالة ارتباك، فلا هو قادر على شن حرب فعلية ضد إسرائيل ولا على التراجع عن حرب الإسناد خصوصا أن ايران قيدت حركته العسكرية تحت عنوان قواعد الاشتباك".
ويضيف: " الاذرع الأخرى تبين انها اما منكفئة عن وحدة الساحات كنظام الرئيس السوري بشار الأسد مثلا أو عاجزة عن الإنخراط الفعلي في إسناد حرب غزة ، وهذا ينطبق على الحوثيين وفصائل الحشد الشعبي العراقي، ليتبين أن وحدة الساحات مفككة أصلا وغير جاهزة لخوض حرب متكاملة ومدروسة، وقد اكتفت ايران باستغلال العمليات العسكرية خصوصا في لبنان لفرض نوع من المصالح من خلال المفاوضات مع واشنطن".
أما على المستوى الداخلي اللبناني، فيشير الزغبي إلى أن "شهدنا تفككا واضحا شمل بعض التابعين لحزب الله تحت مسميات متنوعة لاسيما مسألة سرايا المقاومة، فأن كان منخرطا ضمن هذه السرايا انكفأ والتزم نوعا من الحياد، لافتا إلى أن الحلفاء الآخرين وخصوصا التيار الوطني الحر يحاول حتى الآن التمايز عن الحزب بهدف إنقاذ نفسه من المركب المهدد بالغرق، كما يحاول أن يرمم بعض الشعبية المنهارة والموقع السياسي المنكمش".
وعن حلفائه من الطائفة السنية والدرزية، يرى أنهم باتوا في موقع الخائف من دفع أي ثمن، لذلك انكفأوا عن تأييد حرب حزب الله بشكل واضح، مشيرا إلى أنهم اكتفوا ببعض التصريحات العامة رفعا للعتب. ويضيف: "كل هذا يعني أن حزب الله بات شبه عار ومعزول عن سائر الأذرع الأخرى في المنطقة خصوصا تجاه النظام السوري، وفي الداخل عن الذين كانوا يضربون بسيفه حين كان في عز جبروته وتسلطه الأمني والعسكري والسياسي".
وعن الحلف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، يلفت إلى أنه بات في وضع لا يحسد عليه لجهة تفضيله المفاوضات مع الموفد الأميركي آموس هوكشتين،فهو من جهة لا يستطيع التفلت من الوصاية الإيرانية المباشرة ومن تبقى من قيادة حزب الله، ومن جهة ثانية يسعى إلى انقاذ نفسه وحركة أمل من المصير المشؤوم الذي يتعرض له الحزب، مشيرا إلى أنه لا يستطيع أن يتخذ موقفا حاسما بالنسبة الى المبادرات الخارجية وخصوصا الأميركية، لذلك يترك لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مهمة التمايز عن المحور الإيراني ولو بالموقف النظري.
ويختم: " في المحصلة يعاني حزب الله مأزقا مزدوجا على المستوى العسكري والسياسي، ولا شك أن الوضع يتجه إلى نهاية عصر الميليشيات المتحكمة بشرعيات الدول العربية الأربعة اي اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وسيكون لبنان سباقا في تقديم نموذج العودة إلى الدولة الشرعية التي تمتلك قرار الحرب والسلم وتفرض سيادتها على المكونات المسلحة التي تحكمت بها طويلا".