الحرب توقظ "تروما" أزمة الدواء لدى اللبنانيين... وتهافت على التخزين
مع بدء قرع طبول الحرب في لبنان خلال أيلول الماضي، سارعت السيدة اللبنانية نهى لشراء مخزون من الأدوية يكفيها لمدة خمسة أشهر.
وتعرب السيدة الستينية التي تعاني من أمراض مزمنة وتحتاج إلى أدوية السكري والضغط، وأدوية الأعصاب، لـ«الشرق الأوسط»، عن مخاوفها من أن تتطوّر الحرب وتقطع الجسور بين لبنان والخارج؛ مما قد يؤدي إلى أزمة انقطاع أدوية في بلدها.
ومثل هذه السيدة يتخوّف الكثير من اللبنانيين من حصول أزمة دواء حال توسع الحرب على لبنان، خصوصاً أن قطاع الأدوية يعاني بالأساس، وفيه انقطاعات من بعض الأدوية المزمنة قبل الحرب.
كما أن أزمة نقص الأدوية في السوق المحلية التي بدأت ملامحها عام 2020، بسبب عدم توافر الدولار اللازم للاستيراد، حالها حال القمح والوقود بأنواعه، لا تزال حاضرة في أذهان اللبنانيين.
وتقول نهى التي عايشت معظم حروب لبنان وأزماته، من الحرب الأهلية مروراً بحرب (يوليو) تموز 2006، وأزمات لبنان الاقتصادية في 2019، وصولاً إلى حرب (سبتمبر) أيلول الأخيرة: «لم ننس بعد ما حصل في 2020 - 2021؛ اُضطررت إلى شراء الأدوية من السوق السوداء بضعف السعر... مع الأسف كل أزمات لبنان تشبه كرة الثلج، تكبر وتكبر، ولا يمكننا الاتكال على التطمينات».
مخزون لأربعة أشهر
وفي هذا الإطار، يؤكد نقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك تطمينات للصيادلة من المستوردين ووزارة الصحة أن مخزون الأدوية يكفي لمدة أربعة أشهر»، إلا أنه يناشد ضرورة تأمين مزيد من الخطوط لاستيراد الأدوية من باب الاحتياط في ظل الانقطاعات الموجودة، مشدداً على أهمية التسريع في الاستيراد والتخزين ما دامت الظروف مواتية.
ويقول سلوم: «كنا أصدرنا تحذيرات طلبنا فيها أن تبقى الخطوط مؤمنة لاستيراد الأدوية، وحصلنا على تطمينات بذلك، إلا أننا اليوم نعاني من انقطاع في الأدوية مثل: أدوية الأعصاب والأمراض المستعصية، وهو نتيجة ترسبات سابقة بدأت في عام 2019، واليوم تفاقمت».
وبعد إقفال الصيدليات في المناطق والقرى التي يستهدفها القصف الإسرائيلي، يخشى اللبنانيون من حرب شاملة قد تكون إحدى نتائجها ضرب الصيدليات والمستشفيات.
700 صيدلية أُقفلت
وفي لبنان نحو 3500 صيدلية، ويشير نقيب الصيادلة إلى أن هناك نحو 300 صيدلية دُمّرت بشكل كامل أو تضرّرت، في حين أن أكثر من 700 صيدلية في مناطق خطرة تتعرّض للغارات أُقفلت وفيها مخزون دواء.
ويؤكد سلوم أهمية استخراج هذه الأدوية بشكل آمن من دون تعريض حياة الصيادلة إلى الخطر لاستخراجها، كما أن هناك ضرورة لتكون هناك تطمينات للجهات التي ستعمل على استخراج هذه الأدوية.
ويشدد سلوم على أهمية «تدارك أي حرب ستكون أوسع من خلال تأمين دواء للصيدليات بشكل أكبر ومستمر».
وبسبب تضرّر الكثير من الصيدليات والخوف من اتساع الحرب، خزّنت الأم اللبنانية سماح بعد اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، الأدوية تماماً كما فعلت في عام 2020. تخبر «الشرق الأوسط» عن مخزونها الذي أمّنته من 6 صيدليات في منطقة خلدة وبيروت، معددة: «أدوية خافض الحرارة للأطفال، و10 علب حليب، وأدوية السعال والرشح، خصوصاً أننا على أبواب الشتاء... وعلبتا (كزاناكس) -دواء للأعصاب- في حال الاحتياج إليهما».
وتقول سماح، وهي من سكان خلدة: «لم نُشف بعد من (تروما) الأزمة الاقتصادية وانقطاع الأدوية، لنزيد عليها اليوم الخوف من ألا نبقى على قيد الحياة».
وبينما الضربات الإسرائيلية تطول كل المناطق اللبنانية، ولا تقتصر على الضاحية الجنوبية لبيروت أو القرى الحدودية، تحضّر سماح حقيبتين تضعهما أمام باب البيت، فيهما بعض الملابس لأسرتها ومخزون الأدوية والحليب، حال اضطرار العائلة إلى الهرب.
صيادلة يعرّضون حياتهم للخطر
ومع بداية الحرب، توقّف موزعو الأدوية عن التوزيع في المنطقة الحدودية، ويناشد أصحاب الصيدليات في تلك المناطق الجهات المعنية إيصال الأدوية، ويوضح سلوم أن «الصيادلة في المناطق التي تتعرّض للقصف يعرّضون حياتهم للخطر، ويتوجهون إلى المناطق الآمنة في بيروت للحصول على الأدوية والعودة بها إلى صيدلياتهم ومرضاهم».
ويضيف: «لا نريد أن يتكرّر هذا الموضوع إذا أصبحت الحرب أشمل، وبالتالي من الضروري إعطاء تسهيلات للصيدليات، ليكون هناك مخزون موزع بينها كلها في المناطق الآمنة، وإعطاء كمية أكبر من الأدوية بشكل مستمر؛ لأنه على الرغم من أن الأدوية تصل فإن الطلبيات تتأخر كثيراً».
مليون نازح يعتمدون على الصيدليات
وإذ يلفت إلى وجود ضغط على الصيدليات في المناطق الآمنة بعد نزوح أكثر من مليون و200 ألف مواطن، يوضح أن 200 ألف من النازحين يتلقون المساعدات في المراكز، أما البقية فيحصلون على الأدوية من الصيدليات.
أما عن موضوع تكديس الدواء في المنازل، يشير سلوم إلى أن نقابة الصيادلة أصدرت تعميماً لترشيد إعطاء الدواء، وبالتالي الصيدليات تُعطي الدواء إلى المريض بالكمية التي يحتاج إليها؛ لكي لا يتكرر ما حصل في عام 2020 عندما كانت الأدوية تُخزّن وتُباع في السوق السوداء.
لينا صالح- "الشرق الأوسط"