قطاعات اقتصادية أوجعتها صفعة الحرب.. كيف المواجهة؟
الوضع التجاري والصناعي: استقرار على مستوى منخفض - والوضع السياحي: سقوط مدوٍّ
ميريام بلعة
المركزية- انتهى شهر آب... وودّعت معه القطاعات الاقتصادية موسماً حمل خيباتٍ أطفأت شعلة أمالٍ علّقها التجار والصناعيون وأصحاب مكاتب السياحة والسفر والفنادق والمطاعم وغيرهم، على موسمٍ طالما كان الرافد الأكبر لميزانيّات هذه القطاعات المُرهقة من مفاعيل حرب الجنوب وما يتفرّع منها من تطورات حربيّة في البقاع والضاحية الجنوبية، ومن الضرائب والرسوم المتوجبة عليها في ظل غياب تام للبيئة المؤاتية للاستثمار والازدهار... وأقله للصمود.
صفعة تلقتها هذه القطاعات بعد "هروب" عدد كبير من اللبنانيين المغتربين والسياح الذين قصدوا لبنان هذا الصيف لتمضية الموسم السياحي، بعد استهداف القيادي في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، وعدول كثيرين عن المجيء إلى لبنان بعد هذه الحادثة الأمنية.
ما هو تقييم خسائر بعض هذه القطاعات ووضعها الراهن على لسان أركانها؟
الأمين العام للهيئات الاقتصادية رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس يصِف القطاع التجاري حالياً بـ"الزئبقي"، ويقول لـ"المركزية": قبل الحرب القائمة، ارتبط القطاع بشكل عضوي بالأوضاع السياسية، أما بعد تاريخ 7 تشرين الأول 2023 أصبح مرتبطاً بشكل عضوي بالتطورات الأمنية والعسكرية.
ويتابع: نمرّ في مراحل متتالية، في مرحلة ما قبل 7 تشرين كان الوضع التجاري مشجّعاً إذ كان من الممكن أن يشكّل نسخة طبق الأصل عن العام الفائت عندما بدأ يسجّل انتعاشاً على الصعيد الاقتصادي عموماً والتجاري خصوصاً. إنما الضربة التي تلقاها القطاع جراء اندلاع حرب الجنوب أدّت عملياً إلى تعطيل الدورة التجارية في الربع الأخير من العام 2023.
هذا العام، يُضيف شماس "وبما أن الحرب طالت حتى اليوم، أصبح هناك نوع من التكيّف بين الدورة التجارية والأوضاع الاقتصادية التي بدأت تستقرّ إنما على مستوى منخفض".
ويُشير في السياق إلى أن "كل شيء تغيّر ما بعد 30 تموز الذي سجّل حركة مقبولة. إذ شهد مطلع آب إلغاءات كثيرة لحجوزات المغتربين واللبنانيين العاملين في الخارج نتيجة التطورات الأمنية في الجنوب والضاحية الجنوبية، وتغيّر بالتالي المزاج العام، فتبدّلت المعادلة الاقتصادية والتجارية كلياً، وأصبح "اليأس" مخيّماً على السوق في شهر آب وبات ميؤوساً منه إذا صحّ التعبير".
ولكن... "بعد أيام معدودة وتحديداً بدءاً من 25 آب حيث كان الرّد المتبادل بين طرفَي الحرب محدوداً ولم يتوسّع إلى حرب شاملة، نرى أن هناك فرصة ساحنة لالتقاط الأنفاس مجدداً من مستوى منخفض جداً، على أمل أن تبقى الأوضاع مضبوطة من دون تطورات استثنائية، كي نقترب من نهاية العام من دون أن نخسر الفصل الرابع من سنة 2024 لنتمكّن من تعويض الحدّ الأدنى من الخسائر المتراكمة منذ بداية "طوفان الأقصى" حتى اليوم" يختم شماس.
الصناعة على حالها...
رئيس جمعية الصناعيين سليم زعنّي يوضح أن القطاع الصناعي من دون حرب الجنوب، يعيش في حرب دائمة للمحافظة على صموده واستمراريته في ظل غياب دعم الدولة لصناعتها الوطنية.
ويأسف عبر "المركزية" لكون المشكلات "لا تزال ذاتها، وعالقة بحثاً عن حلول في الوقت الراهن! فأسواق المملكة العربية السعودية لا تزال مقفلة أمام الصادرات الصناعية اللبنانية لأسباب باتت معروفة، وكذلك الأسواق المصرية بفعل الأزمة المالية التي تعاني منها الدولة المصرية".
أما تسويق المنتجات الصناعية محلياً، "فلا يزال يحافظ حالياً على استقراره عند مستوى متدنٍ الذي تسبّب به الانهيار النقدي والمالي وهجرة القوية التي شهدها القطاع الصناعي" بحسب الزعني.
ويقول إن "القطاع الصناعي يحارب بما يتوفر لديه من إمكانات للصمود وتأمين استمرارية إنتاجه في ظل غياب أي دعم من قِبَل الدولة التي وكأنها تحارب للقضاء على مصانعها الوطنية!".
ويُلفت في السياق، إلى أن "الأسباب الرئيسية التي خفّضت الإنتاج الصناعي، تكمن أولاً في مضاربة المصانع غير المرخص لها للمصانع اللبنانية الشرعية، وثانياً في فرض الضرائب، وارتفاع أكلاف تأمين الكهرباء ثالثاً، ما دفعنا إلى زيادة أسعار المنتجات الصناعية لتغطية هذه التكاليف، وبالتالي يبقى المستهلك هو مَن يدفع ثمن هذا الوضع كالعادة".
...والسياحة في كارثة!
أما القطاع السياحي فسجّل سقوطاً مدوّياً هذا الصيف بفعل تطوّرات الحرب الدائرة في الجنوب والضاحية والبقاع، فتراجعت عائداته من 6 مليارات دولار في العام 2023 إلى أقل من 3 مليارات هذا العام.
نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود، يفنّد بالأرقام بقوله:
- انخفضت أعمال قطاع السياحة والسفر أكثر من 70%.
- تراجع عدد الوافدين والمسافرين في حدود 82%.
- في آب 2023 سجل مطار بيروت 6500 رحلة يومياً أما هذا العام فلم يتعدَّ الـ5200 رحلة.
- عدد الوافدين في العام 2023 بلغ 950 ألفاً، لكن هذا العدد تراجع في 2024 إلى 550 ألفاً.
- إلغاء 75% من حجوزات طيران الـ"شارتر" من بيروت إلى الجزر التركية واليونانية خلال أربعة أشهر والبالغة 250 ألف حجز.
كل هذه الوقائع أوقعت قطاع السياحة والسفر بخسارة بلغت 12 مليون دولار!
في المحصلة، لا يملك أركان القطاعات الاقتصادية سوى الأمل في أن تحمل المواسم المقبلة أوضاعاً مستقرة على كل المستويات، تقيها شرّ الخسائر وتنهض بها إلى أرقام تعوِّض بلاء مواسم مضت... على خيبة.