التوترات تتصاعد في الشرق الأوسط والأطراف الدولية تعمل على لجم التصعيد
منذ أن نفذت إسرائيل عمليتي الاغتيال اللتين أودتا بالقيادي البارز في "حزب الله" فؤاد شكر في بيروت ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية في طهران، تصاعدت وتيرة التوترات في منطقة الشرق الأوسط خوفا من رد متوقع تقوده إيران وأذرعها في المنطقة، بما يؤدي إلى امتداد رقعة القتال القائم في غزة ولبنان ليشمل الشرق الأوسط القابع على برميل بارود.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس جو بايدن تريد تفادي امتداد الصراع القائم وتعمل من أجل وقف القتال في غزة ولبنان، يهدد توعد إيران و"حزب الله" بالرد على الهجمات الإسرائيلية بانزلاق الوضع في شكل خطير ، وقد يخرج عن سيطرة الأطراف الذين لا يريدون حربا إقليمية شاملة ستكون مدمرة على الأطراف المتصارعين.
ولكن يبدو أن إيران وأذرعها في المنطقة اعتبروا أن الضربة المزدوجة التي تعرضوا لها عقب مقتل 12 شخصا في الهجوم الصاروخي على قرية مجدل شمس في الجولان المحتل، وحمّلت إسرائيل "حزب الله" مسؤوليته، تشكل تحديا كبيرا لإيران لا يمكن السكوت عنه، وثانيا إن هذا المخطط قد تم بالتنسيق مع واشنطن التي كانت تريد تصفية فؤاد شكر الذي شارك في عملية تفجير مركز المارينز الاميركي في بيروت في ٢٣ تشرين الأول ١٩٨٣ وأدى إلى مقتل ٢٤١ جنديا أميركيا.
لكن اغتيال هنية شكل مفاجئة غير متوقعة لأنه حصل في طهران وصعّب كثيرا إمكان الانفراج الذي تسعى إليه واشنطن من خلال وقف القتال في غزة.
فالأطراف المتقاتلون يربطون أفعالهم بأفعال الطرف الآخر، أي أن الضربة تحتاج إلى رد والرد إلى رد على الرد. ويبدو أن كل طرف يريد المحافظة على قدرات الردع من خلال التصعيد في ردوده العسكرية على الأعمال العدوانية التي يشنها الطرف الآخر. وهذا التشنج في مواقف القوى يجعل احتواء الوضع مهمة صعبة للغاية حتى لا نقول شبه مستحيلة.
واللافت هو عدم اكتراث الأطراف المتصارعين بالدعوات الدولية ولا سيما منها الأميركية والصينية لتجنب اندلاع صراع إقليمي. فواشنطن في تصاعد استحقاق انتخاباتها الرئاسية لا تريد حربا في الشرق الأوسط، أما الصين فتخشى أزمة نفطية قد تؤثر على استيرادها الطاقة، مما سيؤدي إلى تهديد تعافيها الاقتصادي ونموه.
لكن ثمة مصادر معنية تعتبر انه ربما يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جر الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع إيران للقضاء على قدراتها النووية وأذرعها التي تهدد إسرائيل، فيما الإدارة الأميركية قلقة من هذه النيات الإسرائيلية، وقد سبق أن حذرت من أنها لا تريد خوض حرب على إيران. لكن الإدارة الأميركية الحالية، بعد إعلان الرئيس بايدن نيته عدم خوض الانتخابات الرئاسية، تتخبط بين دعم إسرائيل وإنهاء الحرب في غزة. أما نائبته المرشحة عن الحزب الديموقراطي كمالا هاريس فلا تريد التعامل مع الوضع رغم وضوح موقفها.
وبالنسبة إلى التداعيات في المستقبل القريب، تشير المصادر إلى أنه إذا حصل مزيد من التصعيد من إيران وأذرعها من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، فإن احتمال اندلاع حرب إقليمية يصبح واردا. لكن هذه المصادر تعتبر أنه ليس من المؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيتمكن من دفع الولايات المتحدة إلى صراع مع طهران نظرا إلى مواقف الإدارة الحالية من الحرب من جهة وموقف المرشح دونالد ترامب الذي أعلن رفضه الحرب من جهة مقابلة.
ورغم انطباع السلطات الإيرانية أن واشنطن تميل في شكل حاسم إلى جانب إسرائيل، فإن التعاون الصيني - الايراني كفيل بلجم التصعيد الإيراني نحو حرب إقليمية، كما أن المشاورات الإيرانية - الإميركية في عدن قد تخفف حدة التوترات بين الطرفين في انتظار نتائج الصراع الرئاسي الأميركي.
وأكثر ما يدعو الأطراف الدولية العاملة إلى لجم التصعيد هو تجنب حدوث حريق إقليمي كبير من خلال تنسيق إيران مع أذرعها الإقليميين للقيام بقصف متزامن ضد إسرائيل يلحق أضرارا بالغة تدفع الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل إلى خوض معركة إلى جانب تل أبيب للدفاع عنها. وقد يكون هذا السيناريو كارثيا على الأطراف.
لذا يرجح أن تتجنب إيران الفخ الإسرائيلي وترد بطريقة مدروسة كما فعلت في ٢٣ نيسان الماضي عندما أطلقت العديد من الصواريخ والمسيرات في اتجاه إسرائيل، مع أخذها في الاعتبار أنها تفرض طوقا على إسرائيل بالصواريخ والمسيرات من خلال وحدة الساحات، وان في إمكانها استعمالها عند الضرورة.
ولكن المهم والملحّ هو استمرار الضغط الأميركي على السلطات الإسرائيلية لفرض وقف النار في غزة واستمرار الاتصالات الأميركية - الإيرانية الأساسية.
المصدر - النهار