وسيم منصوري في سنة
قبل سنة تماماً، خرج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من مصرف لبنان مودّعاً جمهرة صغيرة من موظفين له عليهم أفضال كبيرة، هلّلوا وصفّقوا كالأيتام الذين يمضون إلى مجهول.
وقبل سنة تماماً، تسلم النائب الأول وسيم منصوري الحاكمية بالإنابة، ليمضي في خطة تفاوت المراقبون في تقييمها، حتى ان بعضهم يرى أنها استنساخ لمسيرة سلفه في تثبيت سعر صرف الليرة وحماية المصارف، ومن خلالها المنظومة السياسية الحاكمة.
هذا الموضوع غير قابل للتقييم في شكل جيد، إذ تتفاوت التقديرات حوله. لا يمكن عزل منصوري عن التركيبة القائمة، فهو ليس وليد الثورة، ويجب ألا يكون، لأنه يرأس مؤسسة رسمية هي مصرف لبنان، وإن كانت تتمتع بحرية واستقلالية، إلا أنها لا يمكن أن تعمل في معزل عن الدولة التي ترعاها.
كذلك، لا يمكن الحكم على سياسات رياض سلامة بسلبية مطلقة، إذ أفاد الجميع منها، رؤساء ومرؤوسين، قبل انهيار البلد عن بكرة أبيه. وقد نال سلامة سيلاً من الإشادات والميداليات.
مما لا شك فيه أن 31 تموز شكّل حدّاً فاصلاً بين عهدين، قد يتشاركان الكثير من السياسات. فسلامة فقد الثقة ولم يكن بعد قادراً على ضبط الأسواق المالية، وسعر الصرف، والتعامل مع المصارف والمؤسسات المالية في الخارج. وكانت الحاجة ملحّة إلى التغيير، من دون إحداث انقلابات جذرية، يطالب بها عدد من الأكاديميين ممن لم يختبروا الحياة العملية والإدارة الفعلية.
تمتع منصوري في السنة التي انقضت بكثير من الواقعية. لم يبن قصوراً من وهْم، لأنه يدرك جيداً أنه موقّت في الموقع الذي يشغله. تقدم بخطوات ثابتة قد لا تعجب كثيرين، لكن الأمور تقاس بنتائجها. فقد أعاد مصرف لبنان إلى دوره في حماية الليرة ولو عبر تثبيت سعر صرفها، لأن التلاعب بسعر الصرف سبّب الكثير من الفوضى سابقاً. لكنه رفض تمويل الدولة عشوائياً، واشترط إقرار قوانين في هذا الشأن.
وأعاد منصوري أيضاً وصل ما انقطع من علاقات لبنان بالمؤسسات والمراكز المالية العالمية، ووسّع مروحة المستفيدين من تعاميمه في الداخل، وهو يعطي الأولية للودائع التي يُتوقع أن يطرح في أيلول المقبل أفكاراً جديدة حولها يراها قابلة للتطبيق، إذ أعلن أكثر من مرة أنه مستعدّ للمضي بحلّ إذا كلّفته السلطة السياسية ذلك، رافضاً تبني الخطة المسماة "حكومية". ويتوقع إنجاز إجراء القراءة للودائع وهيكليتها خلال أيلول، وعلى أساسها تبنى آلية جديدة منطقية وعلمية للودائع.
وتمكّن منصوري من رفع احتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية إلى نحو 10.3 مليارات دولار، وأصرّ على عدم المسّ بالاحتياط الذهب. وقد أظهرت النتائج المحققة بالنسبة إلى الموازنة عام 2024 أن هناك فائضا في الموازنة سُجّل حتى الآن، وهذا ما يسمح بوضع موازنة 2025 على أسس سليمة ومن قاعدة مالية حقيقية ومعروفة.
ويؤكد منصوري أنه وَحَّد سعر الصرف، ونظم ميزانيات المصارف على سعر صرف موحّد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ميزانية مصرف لبنان.
في المقابل، يترك منصوري، المحامي البارع، منفذاً له إذا ما سدّت في وجهه الأبواب السياسية وقُيّدت حركته، فيشدّد تكراراً على أن إعادة البلد إلى طريق التعافي والنهوض تتطلب التزام أربعة مقوّمات، هي: تفعيل المحاسبة عبر القضاء، إيجاد حل عادل للمودعين، إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتفعيله، إجراء إصلاحات بنيوية للدولة وتحديث القطاع العام. وهو يدرك في قرارة نفسه أن البندين الأول والرابع متعذّران بسبب المنظومة إياها. لكن المسؤولية ليست كلها على عاتقه.
غسان حجار - النهار