التحرّر من الخوف
كتب البروفيسور إيلي الزير: يتلبّسنا الخوف نحن اللبنانيون في منازلنا ومكاتبنا ومدارسنا وجامعاتنا. نخاف على أولادنا حتى يعودوا إلى المنزل. ونخاف على سياراتنا وهي مركونة أمام المنزل. ونخاف على راتبنا ألّا يفقد قيمته النقدية في اليوم التالي. ونخاف على التيار الكهربائي أن ينقطع. ونخشى انقطاع المياه وتوقف المحطات عن تزويدنا بالمحروقات.
كلّ شيء نخافه في لبنان. نفتقد إلى الطمأنينة بأدنى درجاتها، وإلى الشعور بالأمان كما يفعل كلّ البشر في كلّ البلدان. ترتيب وطننا على مؤشر السعادة في ذيل القائمة. قد نرقص في بعض الحفلات، ونغني مع بعض المطربين، ونتبادل التهاني بين بعضنا في المناسبات والأعياد. لكن كلّ ذلك ليس مؤشراً على الفرح. إنه دليل على ذروة الحزن الكامن في دواخلنا.
نبحث عن السعادة ليل نهار دون جدوى. نطاردها كما يطارد التائه المياه في الصحراء، وهو المدرك أن لا ماء في هذه الصحراء طولاً وعرضاً. يبحث عن الماء وهو متيقن أنّ الموت سيجده. هي المتاهة التي نعيش بها في لبنان. لا شيء يُقدّم ولا يؤخر. نحرّك أقدامنا في أماكننا كي نضحك على أنفسنا أننا نسير إلى الأمام، فيما الواقع أننا لن نبارح أماكننا ومأزقنا وأوجاعنا وأحزاننا. لقد واجهنا في لبنان شتى أنواع الاحتلالات وانتصرنا عليها، ووضعنا اللوحات التذكارية التي تؤرّخ هذه الانتصارات. إلا أنّ الخوف الذي يحتلنا لا نجد طريقاً إلى التحرّر منه، لا بل نمعن فيه في كلّ دقيقة وساعة ويوم. نمعن فيه حتى بات سمة أساسية من سماتنا.
نحن اللبنانيون نبحث عن استراتيجية للتحرّر من الخوف، ولا سبيل لنا إليها إلا إن خرجنا من الماضي كلّ الماضي ونظرنا إلى المستقبل. لا يمكننا النظر إلى هذا المستقبل إن وضعنا أيدينا على أعيننا. فعدم النظر إلى الأزمة لا يعني اختفاءها؛ فالنعامة عندما تدفن رأسها في التراب لا تحمي نفسها وهي التي تظن أنها هربت من المخاطر. ما هو المطلوب منّا للخروج من هذا الخوف ألّا ندفن رأسنا بالتراب. بل أن نرفعه ونرفع أصواتنا بوجه كلّ هذه المنظومة التي تكالبت علينا، كما تتكالب الذئاب على فريستها.