لبنان يبحث عن قرار أممي يحميه
قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 الصادر في آب 2006 لم يهدف إلى تنظيم العلاقة بين “دولة” إسرائيل و “دولة” لبنان لأنّ الأخيرة لم يكن لها وجود ولا دور في الحرب التي هدف القرار الأممي إلى احتوائها وفشل في عدم تجددها.
والقرار إياه لم يهدف إلى تنظيم العلاقة بين “دولة” إسرائيل العضو في الأمم المتحدة “والميليشيا” التي تقاتل من لبنان بواقع تحكّمها بالقرار اللبناني ما يلغي أي دور واقعي للدولة اللبنانية كونها ليست سيدة على أرضها ولا على قرارها.
والقرار 1701 لم يهدف إلى تطبيع العلاقة بين الأمم المتحدة وميليشيا مسلحة كانت المنظمة الدولية قد دعت رسمياً إلى حلها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 الذي سبق شقيقه بسنتين وصدر تحديداً في 2 أيلول العام 2004 طالباً بصراحة “حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها… وبسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية.”
لكل ما سلف كان الهدف الحقيقي للقرار 1701 هو تنظيم علاقة ما بين “منظومة دولة لبنانية مجوفة من صلاحياتها” وميليشيا إيرانية الولاء متحكمة بكل الصلاحيات على الأرض اللبنانية، وهو ما فشلت المنظومة اللبنانية في تحقيقه بدليل إعلان حزب الله رسمياً دخوله الحرب من جنوب لبنان في 8 تشرين الأول الماضي دعماً لحركة “حماس” في أوضح تحالف معلن بين تنظيمين متهمين بالإرهاب من قبل دول عربية وأجنبية ضد “دولة إسرائيل” العضو في منظمة الأمم المتحدة.
لذلك فإنّ إستقراء التطورات يرجّح إستمرار، بل تصاعد، الصراع أقله حتى نهاية العام الحالي في لبنان-سوريا-الأردن-فلسطين-العراق ربطاً باليمن نتيجة قرصنة ذراع إيران الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن ما قضى على 60 بالمئة من مداخيل قناة السويس وأزعج الإقتصاد المصري المنهك.
لماذا إستمرار الصراع حتى نهاية العام الحالي؟
لأن أميركا تدخل في الأسبوع الأول من شهر حزيران، أي بعد نحو أسبوعين، أجواء التنافس الإنتخابي المحدد موعدها في 5 تشرين الثاني المقبل، ولا تظهر توجهات الإدارة الجديدة إلا بعد 90 يوماً من تولي الرئيس سلطاته وتعيين أعضاء إدارته وتحديد عناوين سياسته في خطاب “حال الإتحاد”، بغض النظر عما إذا كان رئيساً جديداً أو منتخباً لولاية ثانية.
الإنهماك الأميركي بالتنافس الإنتخابي يفتح الباب واسعاً أمام أطراف الصراع المحليين في الشرق الأوسط للتفلت من ضوابط الصراع ما يؤي إلى تصاعد القتال على الجبهات التقليدية وتوسّعها وضم جبهات جديدة إلى خارطة الحرب، أبرزها وأخطرها جبهة الحرب البحرية.
في هذا الصدد مرّ مؤخراً من دون ضجيج إعلامي عربي خبر تصدي فرقاطة الصواريخ الإسرائيلية ساعر-6 لمسيّرتين حوثيتين أطلقتا من جهة الشرق بإتجاه مرفأ إيلات، ودمرتهما في أول مواجهة بحرية منذ 14 تموز 2006 عندما أعطب حزب الله الفرقاطة الإسرائيلية حانيت-503 بصاروخ بر-بحر صيني الصنع من طراز سي-701 مقابل السواحل اللبنانية.
ردت إسرائيل على تلك الضرية بقصف وتعطيل جميع الرادارات الساحلية اللبنانية بإستثناء رادار مطار بيروت المدني بحجة أن الصاروخ الصيني المستخدم في الهجوم لا يمكن إطلاقه وتوجيهه من دون تواصل راداري يتحكم بزعانفه الأربعة. وزعمت إسرائيل أن قطعتها البحرية المستهدفة لم تكن قد شغّلت نظام الرصد للصواريخ البحرية لعدم توفر معلومات عن تواجد مثل هذه الأسلحة على الأرض اللبنانية في ذلك الوقت.
حالياً بوارج الصواريخ الإسرائيلية من طراز ساعر-6 صارت مزودة برصد راداري للصواريخ الجوية والبرية إضافة إلى قدرات تشويش إلكترونية على صواريخ التعقب الذاتي لأهدافها بعد إطلاقها والمعروفة بصواريخ Launch And Leave (LAL) وهو الذي يسبب التشويش على شبكة الإنترنت والإتصالات عموماً أثناء تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية.
كما تتمتع ساعر-6 بقدرات إستماعية لترددات الموجات الصوتية تحت سطح البحر ما يمكنها من تعقب الغواصات والطوربيدات المعادية والتعامل معها.
كان لافتاً أنه بعدما دخلت إيران طرفاً في الصراع مع الدولة العبرية بذريعة تحرير القدس والمسجد الأقصى مع إعلان الإمام الخميني في شهر آب العام 1979 يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان ليكون “يوم القدس”، بدأت إسرائيل بتعديل إستراتيجيتها التسليحية البحرية فتخلت عن الغواصتين البريطانيتين اللتين حصلت عليهما في نهاية خمسينات القرن الماضي وإستخدمتهما في حرب الأيام الستة سنة 1967 ضد سوريا ومصر لتكتشف أنهما ثقيلتان جداً وصاخبتان جداً لبحر أشبه بالبحيرة الكبيرة كالبحر الأبيض المتوسط فتوجهت إلى ألمانيا لشراء فرقاطات وغواصات خفيفة الوزن سريعة الحركة قادرة على المناورة في مياه الخليج الضحلة مقابل الشواطئ الإيرانية إضافة إلى قدرتها على إطلاق صواريخ كروز حاملة للرؤوس النووية. فجددت ترسانتها بفرقاطات الساعر 5 و 6 وغواصات الدولفين.
المحللون العسكريون الإستراتيجيون من المدرستين الغربية (أي دول حلف شمالي الأطلسي والكومنولث) والشرقية (أي روسيا وكوريا الشمالية والصين) يتلاقون على إعتبار أن الصراع بين إسرائيل ومحور إيران وأذرعها لن ينتهي بتسوية يليها تطبيع علاقات بل بمعركة كبرى تنجز قطع أذرع إيران ما يؤدي إلى إبقائها ضمن حدودها المعترف بها دوليا ويلزمها بعلاقات حسن جوار مع العالم.
لكن هذا السيناريو المفترض لن يتحقق إلا بعد معركة كبرى يلعب فيها سلاح البحر دوراً أساسياً في ضمان سلامة الملاحة الدولية في الخليج والبحر الأحمر ويمارس دور حارس ثروات البحر الأبيض المتوسط التي لن يُسمح لإيران بوضع يدها على أي جزء منها كونها صاحبة حصة في ثروات بمناطق أخرى.
تملك إسرائيل حالياً 7 فرقاطات ساعر 5 وساعر 6 لمواجهة المقذوفات الجوية والبرية والتحت سطحية، إضافة إلى أسطول صغير من 5 غواصات دولفين الفائقة التطور تم تكليف إحداها بمهام دورية دائمة في مياه الخليج وحماية الملاحة في البحر الأحمر وعبر مضيق هرمز بالتنسيق مع فرقاطة ساعر 6.
وتتولى بقية غواصات دولفين الإسرائيلية ومعها فرقاطات ساعر مهام حماية شواطئ الدولة العبرية ومصادر ما تعتبره ثرواتها النفطية والغازية في مياه لبنان وغزة، كما التصدي لمختلف أنماط المقذوفات في حال نشوب حرب شاملة.
ويُتوقع أن تعزز إسرائيل تواجدها العسكري البحري، لا سيما سلاح الغواصات، مقابل السواحل الإيرانية بعد مقتل الرئيس الإيراني ومن كان برفقته في السقوط الملتبس للمروحية التي كانت تقله ضمن تشكيل من 3 مروحيات يفترض أنها كانت عائدة من مراسم تدشين سد بمشاركة الرئيس الأذري إلهام علييف.
لم يصدر عن إيران إتهام لأي طرف خارجي بالتسبب بالسقوط أو الإسقاط المريب لمروحية رئيسي ضمن تشكيل من ثلاث مروحيات، ولم يكشف عن ترتيب تحليق مروحية الرئيس ضمن التشكيل ولم يعرف ما إذا كانت أياً من المروحيتين المرافقتين قد أبلغت عن مصاب لحق بطائرة الرئيس.
لكن، وعلى الرغم من الغموض الذي يبدو متعمداً معطوفاً على تناقض الروايات الإيرانية قبل الإعلان الرسمي عن مقتل رئيسي، والتكرار الرسمي غير المبرر لنظرية أن لا شيء سيتغير في السياسية الإيرانية لأن المرشد يمسك بمقاليد الأمور، ليس سراً أن غالبية دول المنطقة والقوى المعنية عززت من إجراءاتها العسكرية الوقائية بإنتظار إتضاح مسار التطورات في حرب إسرائيل “وحركة حماس” بغزة وحرب حزب الله مع إسرائيل من لبنان.
مقتل رئيسي ودخول إيران في مسار إنتخابي مضافاً إلى دخول أميركا في مسار إنتخابي عطّل التوجهات التي كان يعمل عليها في قطر وسلطنة عمان، وفتح الأبواب على جميع الإحتمالات، وفق رأي مصدر فلسطيني في رام الله.
وشدد المصدر في إحاطة هاتفية على أنه “لم يعد أحد يملك تصوراً لما سيكون عليه الحال في المنطقة بعد حرب غزة، متى توقفت، … ”
وأضاف، شرط عدم نشر إسمه، “كل ما كان يعمل عليه في مسقط والدوحة أصابه الجمود بإنتظار معطيات جديدة.”
ورداً على سؤال عن مفاعيل التصويت لصالح عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة والتأييد المتدحرج لهذا القرار، قال المصدر العريق في العمل النضالي الفلسطيني: “التوجه العام لهذا المسار يؤيد حق الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بالحصول على العضوية الكاملة، وهذا الحق لا يشمل “حركة حماس” لأنها غير منضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية صاحبة هذا الحق، ويزعج إسرائيل لأنه يكشف كذبها وعدم إلتزامها باتفاق أوسلو. ”
ورداً على سؤال عما إذا كان يعتقد أن “حركة حماس” يمكن أن تلتحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، قال المصدر: “إسألوا الرئيس الإيراني الذي سيرث موقع رئيسي، وإسألوا حزب الدعوة العراقي الإبن الشيعي للأخوان المسلمين إذا كانا يسمحان لإبنتهما أن تعتنق الوطنية الفلسطينية والعروبة.”
وحتى يتضح المشهد يبقى لبنان منهمكاً بإيجاد دور له ضمن مندرجات القرار الأممي 1701 الذي يمنعه شقيقه الأكبر 1559 من الإعتراف بميليشات تجّوف الدولة من سلطاتها.
محمد سلام - هنا لبنان