كتلة نائب ونص
ذكرتني العراضة المسلحة الهجينة التي نظمتها الجماعة الإسلامية في شمال لبنان بأنّ حجمها التمثيلي الحقيقي لا يتجاوز فقط نائباً واحداً لا غير في المجلس النيابي الحالي، مع أنّ طموحها السابق لم يتجاوز الحصول على نائبين ولكن واقعها بقي في حدود “نائب ونص”.
“نائب ونص” هو ما جاد به الشيخ سعد الحريري على الجماعة الإسلامية عندما كانت تفاوضه على كتلة من نائبين قبل إنتخابات العام 2009.
سألته يومها: “مين النائب ومين النص؟”
قال بابتسامته المعهودة: “نائبهم الدكتور عماد الحوت، أما النص فهو من أساسه أخواني وإنتخب بصفته الأخوانية سنة 1996 وبقي مسؤول الجماعة الإسلامية في منطقته حتى سنة 2000 وبهيدي الصفة هيدا النص إلهن، لاحقاً انضمّ إلى تيار المستقبل قبل إغتيال الرئيس الشهيد وبهيدي الصفة هيدا النص إلنا.”
بغض النظر عن الحجم الشعبي الحقيقي للجماعة الإسلامية في لبنان، السؤال هو: هل ستؤدي عراضتها المسلّحة وما رافقها من تداول أخبار عن إصابة شخصين وطفل بالرصاص الطائش إلى إستجرار الأذى الإسرائيلي إلى المنطقة فيصيبها من القتل والدمار والتهجير ما أصاب جنوب الليطاني وإقليمي التفاح والخروب والبقاعين الغربي والشرقي-الشمالي وضاحية بيروت الجنوبية؟
ليس سراً أنّ الإمتعاض من همروجة السلاح في شمال لبنان أدى إلى إطلاق أكثر من سجال حول الفائدة التي يفترض أن تكون هذه المشهدية قد قدمتها للمنطقة تحديداً وللسنة خصوصاً ولسيادة لبنان عموماً.
المعروف أنّ شمال لبنان يزخر بمتقاعدي القوات المسلحة ممن لهم ملاحظاتهم المهنية الدقيقة على مشهد العراضة، وتوقعاتهم لحالة ما بعد العراضة، بما يجيب عن التساؤل: إلى أين؟
أحد العسكريين المتقاعدين قال لي: “واضح جداً أنّ هؤلاء الملثمين هم مجموعات غير محترفة وغير متجانسة، ولا تنتمي إلى مدرسة عسكرية واحدة”.
وأضاف الصديق المتقاعد: “يكفي أن تنظر إلى حملهم لسلاحهم. بعضهم، كي لا أقول غالبيتهم، لا يبدو أنه حصل على دورات بدائية في كيفية التعامل مع السلاح”.
متقاعد آخر، وهو من فئة الضباط، رأى أنّ “الذي حاولت العراضة تحقيقه هو استدراج عواطف عشاق السلاح، أكانوا من حامليه أم من مشاهدي حملته، بهدف تنمية شعبيتها”.
سألته: وماذا عن ما بعد مشهد العراضة المسلحة؟ هل تقود المشهدية إلى تنمية حجم المصابين بمرض عشق البندقية الذي يعطل إدراك العقل لأبعاد وحكمة وكرامة عشق القضية؟
ضحك ولم يجب عن السؤال بل قال “المهم ألّا يصيبنا بؤس فوق بؤسنا.”
جو القلق الذي أثارته مشهدية العراضة يغلف منطقة شمال لبنان ويذكّر بما كان عليه الوضع في زمن حرب مخيم نهر البارد وتنظيم فتح الإسلام المكون من معتقلين في سجون النظام السوري أخلي سبيلهم وأرسلوا إلى لبنان مكلّفين بفرض حالة إسلاموية تمكّن نظام دمشق من العودة إلى السيطرة على لبنان بذريعة أنه بعد خروجه تسلل الإرهابيون التكفيريون إلى لبنان ولا سبيل للتخلص منهم إلا بإعادة تكليف النظام السوري ليقوم بحماية البيئة المسيحية من شرورهم.
المشهد في الشمال اليوم أكثر خطورة من أجواء معركة نهر البارد لأنه يتعاطى مع المنطقة بأكملها على أنها أرض عصابات تغلي بجماعات تكفيرية ولا يستطيع مواجهتها وتطويعها إلا إمتداد للنفوذ الفارسي، وهي صيغة مطورة من النظرية التي سبق وسوقت لإخافة البيئة المسيحية من إرهابيين تكفيريين مزعومين تسويقاً للدور الإيراني في لبنان.
السؤال هو: من سيؤدي الدور الذي كان قد أوكل للإرهابي الفلسطيني شاكر العبسي الذي أُخرج من معتقل الأسد ليقود جماعة وهمية أسميت “فتح الإسلام” لتنفيذ مهمة إرهابية أفشلها الجيش اللبناني، وتحالف البيئة الإسلامية والمسيحية في الشمال وراء الجيش الذي عاد وفقد مدير عملياته العميد الركن فرانسوا الحاج بتفجير سيارة مفخخة بـ 35 كيلوغراماً من المواد المتفجرة بسيارته في ضاحية بعبدا شرقي بيروت أثناء إنتقاله صباح 12 كانون الأول العام 2007 إلى مقر عمله في قيادة الجيش باليرزة بعد 3 أشهر على حسم معركة نهر البارد.
إستشهد العميد الحاج وسائقه خير الله عدوان فوراً، ولم تعرف الجهة القاتلة، حتى الآن..
ونعود إلى التساؤل: من سيؤدي دور الإرهابي شاكر العبسي، ومن سيتصدى لأيّ محاولة إرهابية لتكرار مؤامرة مخيم نهر البارد ضمن نطاق جغرافي أوسع، ومن سيتصدّى لمثل هذه المؤامرة التي لا يوجد لها إلا قاسمين مشتركين مع المؤامرات التي يتعرض لها لبنان منذ محاولة إغتيال النائب مروان حمادة في الأول من تشرين الأول العام 2004 هما: العنصر السوري الذي برز مجدداً مع إغتيال المسؤول القواتي باسكال سليمان، والعنصر الفارسي الذي نقل التكفيريين بالباصات المكيفة من تحت نيران الجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك والقاع إلى أمان الصحراء السورية في شهر آب العام 2017.
وماذا بعد؟
يقول دبلوماسي عربي تشارك دولته في اللجنة الخماسية الساعية إلى حل معضلة لبنان إنّ أخطر ما يواجهه هذا البلد الصغير هو “تفشي الفساد الذي يمنع الحلول لأنّ المستفيدين من الفساد يعتبرون الإصلاح عدوهم.”
ويضيف: “من دون عقاب لا إصلاح، والعقاب يجب أن يطال أولاً اللبناني الذي يغطي الفساد، عندها، وعندها فقط يمكن الحديث عن بدء التوصل إلى حلول جدية على المستويين السياسي والعملاني.”
لماذا الإصرار على معاقبة الفاسد اللبناني أولاً؟
قال: “لأن الفاسد اللبناني هو رئيس العصابة، والنازح أو الغريب غير المقيم قانونياً أكان سورياً أم غير سوري، هو اليد العاملة الرخيصة لدى رئيس العصابة اللباني.”
ولفت الدبلوماسي العربي إلى أن “أسوأ وأوقح ما شهدته في حياتي هو أنّ الإتحاد الأوروبي يريد أن يدفع ما يرقى إلى رشوة للبنان للإبقاء على النازحين على أرضه شرط منعهم من التسلل إلى الشواطئ الأوروبية.”
وأضاف: “يريدون من مؤسساتكم العسكرية والأمنية أن تكون بمثابة حارس للسجن اللبناني الكبير، لمنع النازحين السوريين من الوصول إلى شواطئ أوروبا، بدلاً من أن تكون مهام الأمن والجيش اللبناني اللبناني هي أساساً منع دخول النازحين واللاجئين غير الشرعيين إلى أراضي لبنان.”
وشدد على أنّ “منظومة الفساد تبدو سعيدة بهذه المهمة لأنها تمكّنها من وضع يدها على جزء من المبلغ المخصص لإبقاء النازحين غير القانونيين في المعتقل اللبناني.”
وذكّر الدبلوماسي العربي بأنه يوجد لدى الجيش اللبناني عدة طائرات غير نفاثة من طراز سوبر توكانو صممت خصيصاً لضرب التهريب عبر الحدود، لم يتم إستخدامها منذ بدأ الجيش باستلامها في العام 2018، ليس لأن الجيش لا يريد إستخدامها، بل لأنّ سلطة المنظومة الحاكمة لم تتخذ القرار السياسي الذي يفرض إستخدامها، ما يتيح للجيش إعداد الخطة وتنفيذها.”
وخلص الدبلوماسي العربي إلى التأكيد على أنّ “المرض لبناني، ولا يمكن محاربته إلا بإستئصاله من الجسد اللبناني المريض”.
محمد سلام - هنا لبنان