إنتظارات جمهور الحريري وغزة ونمو التطرف
أكثر ما لفت النظر بين أمور كثيرة لمناسبة إحياء ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري هو انتظارات الحشد الشعبي الذي أمّ الضريح، لملاقاة زعيم «تيار المستقبل» بعد غياب سنة كاملة من سنتين ونيف منذ إعلانه تعليقه العمل السياسي.
تحت سقف مطالبة الرئيس سعد الحريري بالعودة إلى لبنان وبوقف تعليقه العمل السياسي، يمكن تسجيل ثلاث انتظارات عبّر عنها بعض الجمهور الذي حضر بكثافة إلى وسط بيروت من العاصمة والشمال والبقاع والجنوب وسائر المناطق، عبر شاشات التلفزة:
- طالبوه بالعودة من أجل إيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية الخانقة واعتبروا أنه منذ غادر البلد الأمور تراجعت بدلاً من أن تشهد تحسناً في الأحوال الاجتماعية.
- دعوه إلى التحرك لوقف الحرب الدائرة في الجنوب مثلما فعل والده عند العدوانين الإسرائيليين عامي 1993 و1996 عبر الاتصالات والجولات المكوكية التي قام بها في حينها، واللذين أعقبهما إعادة إعمار ما تهدم، ثم بعد الدور الذي لعبه سعد الحريري بعد حرب تموز عام 2006 في جذب المساعدات الخليجية لإعادة إعمار ما تهدم.
- شدّدوا على الحاجة إلى تسوية سياسية في البلد تعيد الاستقرار لأنّ دور الاعتدال الذي يمثله يسهّل حصولها. وهم رددوا عبارتي «التسوية» و»الاعتدال» مرات عدة.
للسنة التاسعة عشرة على التوالي يستمر الضريح في توليد الوقائع السياسية، سواء لجهة دور الحريرية السياسية في المشهد السياسي العام في البلد، أو في الطائفة السنية التي تفتقد إلى رأس يدير موقعها في المعادلة اللبنانية. الاختبار الذي شكله الحشد الشعبي الواسع أول من أمس أمام الضريح يتعدى مدى شعبية الزعامة المعقودة للحريري الإبن كوارث للشخصية الاستثنائية التي اتصف بها الحريري الأب، ويتجاوز النوستالجيا إلى حقبة من التاريخ السياسي اللبناني.
بدا واضحاً أنّ إصرار جمهور «تيار المستقبل» على الحضور تحت المطر، حيث أدى الطقس العاصف إلى تأخر وصول المزيد من المناصرين من المناطق إلى وسط بيروت، يعود إلى تعطش خليط المتعلّقين بهذه الزعامة لأسباب عاطفية، وأولئك المسيّسين منهم، إلى تواجد قيادتهم إلى جانبهم. فهم يأملون أن يسهم الحريري في تغيير واقعهم المعيشي عبر اجتراح الحلول، وأن ينقل الواقع السياسي المسدود الأفق بفعل استمرار الفراغ الرئاسي إلى مرحلة تعطيهم بعض الأمل بمستقبل البلد، بدلاً من توقهم إلى الهجرة منه. فمن تكبدوا النزول من المناطق البعيدة لم يفعلوا ذلك نتيجة الهبات والمساعدات التي اعتاد آل الحريري التبرع بها للتعليم والإنماء والصحة، لم يأتوا لهذا السبب هذه المرة، لمعرفتهم بضيق ذات الحال عند زعيم «المستقبل».
لاقى الحريري جمهوره بقوله: «حافظوا على البلد، ونحن سوياً وأنا الى جانبكم لن أترككم... قولوا للجميع أنكم عدتم إلى الساحة، ومن دونكم ما في شي ماشي بالبلد». وهذه رسالة للداخل والخارج.
في المقابل قال في حديثه لقناة «الحدث» إن الوقت لم يحن بعد للعودة عن تعليقه العمل السياسي.
في 24 كانون الأول عام 2022 كان الحريري برر تعليقه العمل السياسي بالقول «لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة». والواضح أنّ أياً من هذه الموانع قد زال. والظرف الإقليمي الذي ساهم في لعب والده ثم هو دوراً في وقف الحروب، ومعالجة آثارها والتراجع الاقتصادي، والذي دفع الجمهور إلى مطالبته بتحقيق الأمور الثلاثة المذكورة أعلاه، صار أكثر تعقيداً، ما يدفع بعض المحيطين به إلى نصحه بتأجيل العودة، بانتظار انقشاع الرؤية الإقليمية.
وإذا كان خصومه يتفقون مع حلفاء له على وجوب عودته، فلأن هناك حاجة راجحة، داخلية وخارجية، لا سيما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، لاستيعاب جنوح بعض الوسط السني نحو التطرف، بفعل الجرائم التي ترتكبها تل أبيب، وبسبب استقطاب التيارات الإسلامية المتطرفة و»حزب الله»، لشرائح في الطائفة السنية ناقمة على الانحياز الغربي لإسرائيل، ما يضعف تيار الاعتدال في الطائفة ويحتم العودة التدريجية للحريري إلى الساحة السياسية.
وليد شقير - نداء الوطن