من يحدد مصير جنوب لبنان: الدولة اللبنانية أم حزب الإحتلال الفارسي؟
قبل 28 سنة باعتنا الإدارة الأميركية الديمقراطية برئاسة بيل كلينتون لسوريا بقيادة الرئيس حافظ الأسد، والآن تحاول إدارة أميركية ديمقراطية أيضاً برئاسة جو بايدن أن تبيعنا لإيران.
لم يتغير الكثير. السلعة كانت، وما زالت، لبنان. البائع كان وما زال أميركياً ديمقراطياً، الشاري فقط تغير، كان أسدياً وصار ولياً فقيهياً.
في 26 نيسان 1996 أنجزت إدارة كلينتون ما عرف بتفاهم نيسان “المكتوب وغير الموقع” وذكرت في مقدمته أنه “بعد محادثات مع حكومتي إسرائيل (برئاسة شمعون بيريس) ولبنان (برئاسة رفيق الحريري) وبالتشاور مع سوريا (برئاسة الرئيس حافظ الأسد) يضمن لبنان وإسرائيل الآتي:
“ألّا تنفذ الجماعات المسلحة في لبنان هجمات بصواريخ الكاتيوشا أو بأي نوع من الأسلحة على إسرائيل وألّا تطلق إسرائيل والمتعاونون معها النار بأيّ نوع من الأسلحة على مدنيين أو أهداف مدنية في لبنان…”
“…إنشاء مجموعة رصد تتألف من الولايات المتحدة، وفرنسا، وسوريا ولبنان وإسرائيل. ستكون مهمتها مراقبة تطبيق التفاهم المذكور أعلاه. الشكاوى ستقدم إلى مجموعة الرصد… في حالة زعم انتهاك التفاهم، الطرف مقدم الشكوى عليه أن يفعل ذلك في غضون 24 ساعة. سيتم تحديد إجراءات التعامل مع الشكاوى المقدمة من قبل مجموعة الرصد…”
يبدو واضحاً أنّ سوريا التي كانت تحكم لبنان بـ 30 ألف جندي و10 آلاف عنصر من أجهزة مخابراتها هي التي تقرر عن لبنان، وأنّ ورود إسم لبنان في ذلك النص كان فقط للدلالة على أنّ الصراع يجري على أرضه التي تحكم من دمشق لا من بيروت.
الآن، وبعد 28 سنة، برزت مؤشرات إلى ما يمكن أن يعرف بـ “تفاهم شباط” والذي تعمل إدارة جو بايدن الديمقراطية على إنجازه بالتنسيق مع إيران الخامنئي بدلاً من سوريا الأسد على أن يستند في جوهره إلى “مبدأ التجميد لا الحل” الذي كان جوهر تفاهم نيسان.
ذكر موقع أكسيوس الأميركي أن مستشار بايدن المقرب آموس هوكستاين، بحث في إسرائيل يوم الأحد الماضي مع نتنياهو ووزير دفاعه غالانت إقتراحاً أميركياً تؤيده أربع دول أوروبية هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا “لتجميد” حرب الحدود بين لبنان وإسرائيل.
ويتضمن الإقتراح تقديمات إقتصادية للبنان لترغيبه بالقبول. وأخطر ما في الإقتراح الأميركي الجديد، وفق أكسيوس، هو أنه يعتمد “التنفيذ الجزئي” للقرار الأممي 1701 الذي أوقف ما عرف بحرب تموز – آب لعام 2006.
ويسمح التنفيذ الجزئي لحزب الإحتلال الفارسي بعدم الإمتثال لسحب قواته إلى شمالي نهر الليطاني، كما ينص القرار 1701، بل يكفي أن يسحب بعض قواته إلى بعد لا يزيد عن 10 كيلومترات عن الخط الأزرق، ما يعتبر تجاوزاً خطيراً لمبدأ أممي معتمد، وهو عدم تعديل القرارات الأممية، بل الإلتزام بها أو إصدر قرار أممي جديد يتجاوزها ويلغيها، ويلغي الإشارة إلى منطلقاتها.
كما أنّ الإنسحاب المحدود لقوات حزب الإحتلال الفارسي، إذا ورد ضمن تفاهم تعلنه أميركا والدول الأوروبية الأربعة، يعتبر إعترافاً وتشريعاً لقوات حزب الإحتلال الفارسي المصنفة إرهابية من قبل الدول الخمس مقدمة التفاهم، ما يمهد لتحويل هذه القوات إلى حشد شعبي في لبنان، وفق النموذج الذي يحكم العراق بأمر من طهران.
وذكر أكسيوس أن البيت الأبيض إمتنع عن التعليق على الخطة التي نشرها الموقع، لكنه نقل عن مسؤول أميركي لم يذكر اسمه قوله “إعادة المواطنين الإسرائيليين واللبنانيين إلى ديارهم والعيش في سلام وأمن أمر في غاية الأهمية”.
من جهته، نقل وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه إلى المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته التي إستمرت يوماً واحداً نصيحة فرنسية بعدم إنزلاق لبنان إلى حرب كما أطلع من إلتقاهم في لبنان على الأجواء الإسرائيلية المصرة على إنسحاب كامل لمسلّحي حزب الإحتلال الفارسي إلى شمالي نهر الليطاني.
لكن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي شدد في مقابلة مع فضائية الجزيرة على “ضرورة وقف نزف الدماء الجاري في غزة قبل الحديث عن أي خطوات تالية، وهو الأمر الذي سيساعد على إبقاء الجنوب اللبناني بعيداً عن أي حرب”.
وجدد ميقاتي دعمه لحزب الإحتلال الفارسي “الذي يتصرف بوطنية عالية، ويولي أهمية للأوضاع في لبنان وتجنيبه آثار أي حرب… أنا مطمئن على عقلانية حزب الله”.
موقف ميقاتي قوبل بإستهجان القوى السيادية التي إعتبرته متبنياً لموقف حزب الإحتلال الفارسي الذي يربط مصير لبنان بمصير غزة وقرار الولي الفقيه.
وزاد الموقف تأزماً إعلان وزير الخارجية عبد الله بوحبيب في مقابلة صحافية أن “الحرب (الإسرائيلية) على لبنان لن تكون نزهة، ولـ”حزب الله” الخبرة في الميدان وقد سبق وخاض حرباً في مواجهة إسرائيل وهو مهيأ لخوض حرب جديدة ضدها، وحينها سنكون أمام دمار شامل بالنظر لقدرة إسرائيل الهائلة على التدمير ولكنها لن تنجو منه أيضاً”.
عندما باعنا كلينتون لسوريا قبل 28 سنة كان يستند إلى رغبة عربية بتكليف حافظ الأسد ضبط لبنان والإشراف على تطبيق إتفاق الطائف الذي كان يترنح ولا يسقط أو يطبق على الرغم من صدوره قبل 7 سنوات.
هل تطور التوجه الديمقراطي مع جو بايدن وصار يرغب في توكيل فقيه فارسي بضبط لبنان عبر التلاعب بمندرجات القرار الأممي 1701؟
ولكن، ماذا عن الموقف العربي؟ هل يتمتع توجه بايدن بدعم عربي، أم بمعارضة عربية، أم بعدم مبالاة عربية؟
محمد سلام - هنا لبنان