الحكومة المحاصرة وحكومة تصريف الأعمال بين نهر البارد وعين الحلوة
بعد اللقاء الثلاثي المغلق بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكل من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، في أنقرة منذ أقل من أسبوع، وبالتزامن مع انعقاد إجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في القاهرة بهدف «استعادة الوحدة الوطنية، ووضع برنامج وطني لمواجهة التحديات التي تواجه شعبنا وأرضنا» كما ورد في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس عباس في أنقرة، جاء الرد من مخيم عين الحلوة. دعوة عباس جميع الفصائل الفلسطينية الى التزام خيار «المقاومة السلمية» ورؤية سياسية تستند إلى الشرعية الدولية قوبلت بإغتيال قائد قوّات الأمن الوطني الفلسطيني أبو أشرف العرموشي ومجموعة من مرافقيه لتفتتح معها جولة جديدة من العنف داخل مخيم عين الحلوة.
ما يجري في مخيم عين الحلوة ليس سوى امتداد لإنقسام إقليمي قائم ليس حيال القضية الفلسطينية وطبيعة الصراع مع إسرائيل، بل حيال كل ما يتعلق بالحدود وتقاسم الثروات وشرعية السلطة والأمن من الخليج العربي و اليمن والعراق مروراً بالبحر الأحمر وحتى شواطيء المتوسط، وحيال ما قد ينشأ من قضايا وعناوين في المستقبل. ومع استحالة وجود تقاطعات مشتركة بين الدول المتموضعة على ضفتيّ الإنقسام حيث تختلط سرديات الموروث الديني والتاريخي بالصراع على السلطة يصبح العنف هو الوسيلة المتاحة للتخاطب ويصبح مخيم عين الحلوة أحد ساحاتها.
إن تعذر التوصل الى وقف لإطلاق النار على مدى ثلاثة أيام بالرغم من استحالة إحداث أي تغيير على الأرض يثبت أن أدوات التفجير المحلية لا تمتلك قرار التفاوض بل تنتظر إشارة خارجية لم تأتِ بعد، وبالتالي فالرسائل المتوخاة من الإشتباكات ليست بين السلطة الفلسطينة ومعارضيها بل هي رسائل مشفرة عابرة للحدود ترسلها دمشق وطهران باتّجاه أنقرة والرياض والقاهرة لفك رموزها.
لم تكن السلطة في لبنان أكثر من مراقب لما يجري في عين الحلوة. لربما أدرك الرئيس نجيب ميقاتي البعد الإقليمي لما يجري وأن أمن اللبنانيين ليس من صلاحيات حكومة تصريف الاعمال فاكتفى بتوصيف من يقف وراء الإشتباكات بالجهات المشبوهة دون محاولة للإتصال ولو من قبيل الشكليات ورفع العتب بأي جهة عربية ذات صلة بالموضوع. ويمكن في هذا السياق تسجيل غياب كلي لحزب الله عن أي تدخل معلن وإن ببيان إعلامي يدعو لحقن الدم الفلسطيني ووقف الإقتتال بين الأخوة الذي لا يخدم سوى العدو الإسرائيلي!!!
ربما يجب التذكير أن طاولة الحوار الوطني التي اجتمعت في 2 آذار 2006 بحضور السياسيين اللبنانيين الذين لا زالوا يمسكون بالسلطة حتى الآن إتفقت في جلستها الأولى على ضرورة تسليم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومعالجته في داخلها. ثم عادت وطرحت المسألة في جلسات الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس ميشال سليمان في قصر بعبدا الى جانب مناقشة الاستراتيجية الدفاعية الوطنية خلال العام 2012. ولا بد من التذكير كذلك بالظروف التي أحاطت بأحداث مخيم نهر البارد التي استمرت من 20 أيار /مايو حتى 2 أيلول/ سبتمبر 2007 وانتهت بإنتصار كبير للجيش اللبناني رغم الصعوبات اللوجستية والعملانية. لقد اتّخذت حكومة الرئيس السنيورة في حينه قراراً واضحاً بتكليف الجيش بإنهاء الحالة الإرهابية في المخيم بقيادة شاكر العبسي القادم من سجون النظام السوري بالرغم من الإنقسام السياسي حول الحكومة ومرور خمسة أشهر على اعتصام حزب الله وحلفائه في محيط السرايا ومطالبتهم بإستقالة رئيس الحكومة، وبالرغم من إعلان أمين عام حزب الله في حينه مخيم نهر البارد خطاً أحمر، وبالرغم من استمرار موجة الإغتيال التي أدت الى استشهاد كلّ من النائب وليد عيدو في 13 حزيران/ يونيو والنائب أنطوان غانم في 19 أيلول/ سبتمبر 2007.
تختلف ظروف العملية الإرهابية في نهر البارد عما يجري حالياً في عين الحلوة، ولكن المخاطر المشتركة بينهما تكمن في تهديد حياة اللبنانيين واستقرارهم عند كل تصادم في الحسابات الإقليمية. طبعاً ليس مطلوباً من الحكومة اللبنانية حل معضلة توحيد الموقف الفلسطيني ولكن المطلوب منها هو حماية اللبنانيين. إنّ أحد أهم الدروس المستفادة من انتصار الجيش في نهر البارد هي في قدرة الحكومة المحاصرة في السرايا على اتّخاذ القرار في اللحظة الحرجة لإنقاذ لبنان، فهل تدرك الحكومة اللبنانية الطليقة أن أمن اللبنانيين هو من موجبات حكومة تصريف الأعمال.
العميد الركن خالد حماده - اللواء