تيمور جنبلاط ومساحات الحوار المتاحة
عروبة لبنان وراية فلسطين وتلازم ترسيم الحدود مع تحرير الأرض في مزراع شبعا وتلال كفرشوبا من الإحتلال الإسرائيلي، دون قيد أو شرط، وتقوية الجيش وتعزيز قدراته، إلى جانب خطة دفاعية، تتوحد فيها، وبشكل مرن، الأمرة وقرار الحرب والسلم، بهذه العناوين رسم وليد جنبلاط في المؤتمر العام الــ49 الخطوط الصلبة لموقف الحزب التقدمي الإشتراكي وثوابته حيال القضايا الإشكالية المتعلقة بهوية لبنان والصراع مع إسرائيل وسيادة الدولة. صاغ جنبلاط ثوابته مجرداً إياها مما رافق المسيرة في «بعض من المحطات المحلية والإقليمية، ولقاءات الضرورة، وبعض من لقاءات الأمر الواقعِ الإنتخابية أو السياسية، مع من أسقطنا معهم إتفاق السابع عشر من أيار» على حدّ قول جنبلاط.
بهذا أعلن جنبلاط تحرره مما يحرج قيادة الحزب الجديدة وعلى رأسها تيمور جنبلاط بالتزام ما فرضته بعض التطورات السياسية من مواقف مرحلية، والتي تبقى في إطار الزمان والمكان اللذين أنتجاها وليست إرثاً سياسياً أو ثابتة من ثوابت الحزب التقدمي الإشتراكي. وربما في هذا رسالة أراد وليد جنبلاط إيصالها من خلال استعراض الخط البياني للحزب على مدى 46 عاماً بما تخللها من مواجهات سياسية وعسكرية واغتيالات وتحديات ومؤامرات وثوابت ومتغيّرات، وخلص في نهايتها إلى تأكيد بقاء الحزب وبقاء المختارة المتلازمين في المسار والمصير. وقد يكون في تناول الخطة الدفاعية التي «تتوحد فيها، وبشكل مرن، الأمرة وقرار السلم والحرب» على حدّ قول جنبلاط إتساق مع تداعيات إقليمية لتسوية سياسية مرتقبة تتعلق بلبنان.
لم يقارب رئيس الحزب الجديد في كلمته تلك العناوين سوى من بوابتيّ القضية الفلسطينية وعروبة لبنان، لكنه ذهب الى ملاقاة وليد جنبلاط ـــــ في تأكيده رفض الفدرالية والتقسيم وتحقيق اللامركزية الإدارية والإنماء المتوازن وإلغاء الطائفية السياسية ــــ من خلال تقديم تصور متقدم لجمهورية لبنانية عصرية تلاقي الدستور بعقل منفتح وشجاعة في سلوك درب التطوير، وتتمسك بقيم الحرية والتنوع والعلمانية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والمواطنة الحقيقية والشراكة مع المرأة . وإذ اعتبر رئيس الحزب الجديد أن لبنان هو تجربة ديمقراطية تستحق أن تستكمل من خلال بناء المؤسسات لا من خلال الشغور فقد التزم المضي في العمل لإتمام الإستحقاق الرئاسي باعتماد الإنفتاح والحوار الحقيقي بعيداً عن جبهات الرفض ومن أجل إصلاح إقتصادي مالي إجتماعي إداري.
تستحق كلمة تيمور جنبلاط بحق ما يمكن تسميته بـ»رؤيا للبنان جديد» حيث شكل المؤتمر العام الــ 49 للحزب التقدمي الإشتراكي المنصة الصحيحة لإطلاقها. وهي إذ تتضمن أسساً لبرنامج عمل تغييري وطني حقيقي يتصف بالشمولية والشجاعة في مقاربة كل العناوين الوطنية والسياسية والإجتماعية، فإنها تضع الأحزاب اللبنانية الأخرى في الوقت عينه أمام تحديات كبيرة لا تنتهي بتنظيم إنتخابات مشهودة تتمتع بمستوى مقبول من الديمقراطية بل بامتلاك الشجاعة لطرح رؤيتها للبنان الذي يعيش إشكاليات وجودية. هذه الإحزاب وإن سبق لبعضها أن قارب بشكل مجتزأ هذه العناوين المطروحة بنوع من الإعتدال والإنفتاح، من قبيل الإستعراض الإعلامي أو للتخفيف من حدّة صداميتها مع الآخر، فإنها تبقى عاجزة عن تبني عملية إصلاحية شاملة تهدد بيروقراطيتها وعصية على الإستيعاب من قبل جمهورها.
ولئن تثير رؤية تيمور جنبلاط واختيار المناسبة لطرحها سلسلة من الإشكاليات الحقيقية مع المكونات السياسية الأخرى، فإنها أضحت بمثابة التزامات لا يمكن استثناءها لدى مناقشة أي خطة إصلاحية أو حوار حول تسوية سياسية مع أي فريق آخر، أو لبناء تحالف سياسي أو إنتخابي. وهذا يعني أن ما طرح في المؤتمر العام للحزب هو إعلان لنسق جديد من العمل السياسي ولدور جديد في الحياة السياسية اللبنانية، وهذا بحدّ ذاته يضع القيادة الجديدة للحزب الإشتراكي أمام اختبار حقيقي للإلتزام بما أعلنته.
أما في سياق إلتزام رئيس الحزب الجديد الحوار لإتمام الإستحقاق الرئاسي الجديد، فتستحق عناوين الرؤيا الجديدة أن تشكل جزءاً من التزامات «المرشح الثالث» الذي ستعقد عليه الآمال لإخراج لبنان من أزمته، ذلك إن نجاح أي خطة إصلاحية سياسية أو اقتصادية لا يمكن فصله عن فرص النجاح في الإنتقال بلبنان من الدولة القائمة بكل موبقاتها الى دولة حقيقية. ويبقى السؤال هل يجتاز المرشح إياه تهمة طعن المقاومة في ظهرها الماثلة دائماً والتي تطمئن فريقاً مستأثراً وتقلق سائر اللبنانيين على أبسط حقوقهم الوطنية؟
إن القلق الحقيقي لا يكمن في الرغبة بالحوار كسبيل وحيد للوصول الى تسوية بل في ما تبقى من مساحات ومسائل قابلة للتحاور.
العميد الركن خالد حماده - اللواء