الإنتخابات الرئاسية بين السلم الأهلي والإستسلام الأهلي
أهم ما يمكن استنتاجه من المواجهة الحادة على ضفتيّ الإستحقاق الرئاسي هو سقوط القاعدة الذهبية التي تشترط حصول المرشح الماروني لرئاسة الجمهورية على تأييد غالبية الكتل المسيحية، تحت شعار عدم جواز انتخاب مسيحي للموقع الاول في الجمهورية خارج إرادة غالبية المسيحيين.
لقد أنعشت هذه القاعدة الذهبية منذ خروجها الى النور سادية كامنة لدى بعض الكتل النيابية المسيحية التي انساقت خلف رئاسة المجلس النيابي في خرق الدستور، عبر التمسّك بثلثيّ المجلس النيابي كأكثرية ملزمة لانعقاد كافة دورات انتخاب الرئيس خلافاً للمادة 49، وحجتها في ذلك أن انضمام نائب مسيحي واحد الى النواب المسلمين الذين يشكلون نصف المجلس النيابي سيكون كافياً لانتخاب الرئيس الماروني دون موافقة غالبية المسيحيين. لكن التجربة أثبتت بما لا يقبل الشك، أن هذه القاعدة الذهبية المناقضة للدستور تستمد صلاحيتها للعمل من التماهي مع ما يريده حزب الله ــــــــــ هذا ما حصل بعد أن لاقى اتّفاق معراب تعنتّ حزب الله عام 2016 وتمسكه بالعماد ميشال عون مرشحاً واحداً أحداً لرئاسة الجمهورية ـــــــــــ فيما هي محكومة بالسقوط بكل الوسائل المتاحة عندما يلتف غالبية المسيحيين حول مرشح للرئاسة لا يريده حزب الله.
أجل لقد وضع فريق حزب الله مرشح الغالبية المسيحية الوزير السابق جهاد أزعور في قفص الإتهام، هذا ما يستحقه كل مرشح تسوّل له نفسه الخروج عن طاعة الحزب وهذا ما عبّر عنه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي ذهب أبعد بكثير من المُتاح والمسموح بقوله «ما لم تستطع أن تأخذه تل ابيب وواشنطن بالغزو الإسرائيلي لن تحققه بالإنتخابات الرئاسية».
القاعدة الذهبية إياها أضافت الى مسار انتخاب رئيس الجمهورية محطة إلزامية هي موافقة الغالبية المسيحية على المرشح قبل انعقاد الجلسة الدستورية لانتخابه. هذه الآلية أبصرت النور في حزيران 2013 عند أوّل لقاء للأقطاب الموارنة الأربعة ( الرئيس أمين الجميل، الوزير السابق سليمان فرنجية، الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون) في بكركي بدعوة من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لمناقشة مواصفات «الرئيس القوي» على خلفية الأحقية بتمثيل المسيحيين واستمرت حتى نهاية العام 2015. استحال التوافق في حينه بين الموارنة الأربعة الكبار على مرشح من بينهم، لأن المسألة بدت وكأنها توافق على زعامة الموارنة، كما أخفقت بكركي في دفعهم لإخراج الشغور الرئاسي من المأزق. وعلى وقع تبني الرئيس سعد الحريري ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية انضمت القوات اللبنانية الى التيار الوطني الحر تحت عنوان «اتّفاق معراب» واقترعت الغالبية المسيحية المكوّنة منهما لصالح مرشح حزب الله العماد ميشال عون بعد تعطيل للجلسات أداره الحزب لأكثر من سنتين.
هذا الإلتفاف على الدستور حوّل موقع الرئاسة من موقع وطني تستظله الجمهورية بكافة تحالفاتها وتعددياتها إلى موقع طائفي يتمّ الإتفاق عليه بين كتل مسيحية متناقضة في خياراتها الوطنية إلا فيما يتعلق بطائفة الرئيس. وهو ما شكّل السقطة الأولى التي استدرجت حيازة الأكثريات المذهبية كشرط ملزم لتسمية رئيس الحكومة وانتخاب رئيس المجلس النيابي، ودائماً على قاعدة عدم الصلاحية للعمل عند تعارض خيار الأكثرية المذهبية مع خيارات حزب الله. أليس هذا ما حصل عندما تمتّ تسميّة حسان دياب وتكليفه تشكيل الحكومة بخلاف خيار الغالبية السنية؟
لقد نقلت القاعدة الذهبية رئاسة الجمهورية من كنف الوصاية السورية التي كان لها الكلمة الفصل في تسمية المرشح التوافقي الملزم ، إلى كنف حزب الله حيث توافق الغالبية المسيحية على من يسميه الحزب. رضخت الكتل النيابية حينها لقرار دمشق المولجة دولياً وإقليمياً بالوضع اللبناني ورضخت فيما بعد لخيار حزب الله الرئاسي الذي حظي بغطاء مسيحي تحت شعار المحافظة على السلم الأهلي. اليوم بعد دخول الإنتخابات الرئاسية مرحلة فرض المرشح الذي يسميه حزب الله رغماً عن إرادة المسيحيين يصبح الرضوخ لخيار الحزب استسلاماً أهلياً.
العميد الركن خالد حماده - اللواء