الاستحقاق الرئاسي اللبناني: ما المطلوب من "الحاضنة" العربية؟
واهم من يظن للحظة واحدة أن الاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي يشهد راهناً تطورات متسارعة هو استحقاق محلي. وواهم أيضاً من يعتقد للحظة واحدة أن جميع الأطراف السياسية في لبنان متساوية في ما بينها بالنسبة إلى استحقاق بأهمية انتخاب رئيس جديد للجمهورية. إن القوى السياسية في لبنان غير متساوية، كما أن المكونات والبيئات الطائفية غير متساوية أمام الدستور، والقانون، والعدالة، ولا تُعامل وفق مفهوم واحد للحقوق والواجبات.
هذه حقيقة ما دام في لبنان سلاح غير شرعي، فوق القانون، وأهله يصنفون أنفسهم "فوق البشر". والحال أن ثمة طبقية اجتماعية، وسياسية، وقانونية، وعنفية في لبنان تتجاوز كل مفاهيم التوازنات الدقيقة التي قام عليها الكيان اللبناني. وبصراحة ثمة شعور في بيئات لبنانية رئيسية أنها لم تعد تعيش في وطن يسوده مستقبل آمن. غالبية البيئات التي نقصدها تفتش عن مستقبل خارج لبنان، أو عن صيغة جديدة لإعادة إنتاج "تعايش" بين البيئات "الطبيعية" التي تسعى لحياة عادية، طبيعية، آمنة، حرة، كريمة، وبين بيئة مدججة بالسلاح، تستثمر في العنف الداخلي والخارجي في آن، وتشكل تهديداً دائماً لحرية العيش، وحرية الخيارات، وصولاً إلى الأمن والأمان.
ما تقدم يجب أن يدركه المحور العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية وشركاؤها الخليجيون، فلا يظنوا أن إعلان الحياد وعدم التدخل الفاعل في استحقاقات مصيرية مثل الاستحقاق الرئاسي، يقابله "حياد" وعدم تدخل من الجانب الإيراني. ففي الخطاب الرسمي الإيراني زعمٌ أن طهران لا تتدخل في شؤون لبنان وشعبه. وهذا ليس صحيحاً. فمجرد أن يكون الطرف المشكو منه - ونعني "حزب الله" بوظيفتيه المحلية والإقليمية - جزءاً لا يتجزأ من تركيبة النظام في طهران، وفصيلاً من فصائل "فيلق القدس" على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ومجرد أن تدين قيادته بالولاء العقائدي والتنظيمي والأمني والعسكري والمالي لطهران، تقدر هذه الأخيرة أن تقول إنها لا تتدخل لأنها لا تحتاج أن تتدخل لا عبر سفير، ولا بالبيانات، ولا بالعمل الدبلوماسي الإقليمي أو الدولي.
إن "حزب الله" ليس تنظيماً محلياً لبنانياً أسوة بأحزاب وقوى سياسية أخرى. إنه تنظيم إقليمي بإمتياز، فإيران حاضرة في كل حي من أحياء العاصمة بيروت وغيرها من المدن التي تتعرض لتغيير ممنهج، وهي متغلغلة عبر التنظيم التابع لها إما بالأمن، أو بالديموغرافيا، أو بمؤسسات الدولة المخترقة. من هنا لا يصح أن ترسم معادلة عدم التدخل العربي في مقابل عدم التدخل الإيراني لأنها لا تستقيم. فبوجود "حزب الله" لا تحتاج إيران الدولة أن تتدخل، تماماً مثلما يحصل في العراق، فهي تمارس أعلى درجات التدخل وأعمقها في نسيج المجتمع اللبناني الداخلي.
من هنا تتحول المعركة التي يخوضها "حزب الله" لتنصيب رئيس يواليه حكماً إلى معركة تخوضها طهران على أرض لبنان. ولذلك نقول إن الموقف العربي الأصيل والصادق في ترك الخيارات اللبنانية حرة ومستقلة يصلح لبلد لا يتحكم به سلاح غير شرعي، موجه باستمرار نحو صدور أهل البلد الآخرين، لكنه لا يصلح في لبنان الرازحة بيئاته المتنوعة تحت سيف السلاح المسلط، والعنف الجاهز على الدوام لحسم خلاف، أو فرض واقع شاذ يتنافى مع أدنى معايير مشروع الدولة التي يتساوى فيها كل المواطنين.
استنتاجاً، لا بد للمحور العربي أن يعرف أنّ تدخله في الاستحقاق الرئاسي مطلوب لمنع الاستفراد بلبنان، ولا سيما في استحقاق كهذا، والموقف المبدئي والصادق المعلن بعدم التدخل الذي تردده الحاضنة العربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، يُبقي ويا للأسف لبنان مكشوفاً تماماً أمام "المحدلة" الإيرانية فيه، والتي يمثلها "حزب الله" المدجج بالسلاح، فيما البيئات الأخرى مسالمة لا تريد سوى العيش بحرية وكرامة وأمان، لكنها تشعر أنها باتت في سجن إيران الكبير!
مروان حمادة - النهار