مناورات "الحزب" وتناقضها
قد يكون رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية عاثر الحظ لأنّ ترشيحه عالق في شباك صراع على السلطة له امتداداته الإقليمية الشديدة التعقيد، رغم أنّ شخصه ونهجه محببان حتى لدى بعض القوى السياسية المصنفة في المعارضة وفي المعسكر الخصم للفريق الذي دعم ترشيحه.
مع أنّ بعض القوى السياسية التي عارضت بشدة خيار فرنجية أخذت هذا الموقف نتيجة حسابات محلية تتعلق بخصومتها معه على الساحة المسيحية، مثل «التيار الوطني الحر»، فإنّ اعتراض معظم القوى الأخرى جاء بسبب الهوية الإقليمية لداعميه وخصوصاً «الحزب»، لا لأسباب داخلية. فهؤلاء الخصوم الذين يميّزون بين فرنجية وبين الرئيس السابق العماد ميشال عون ويعتبرونه أكثر مراعاة لقواعد التركيبة السياسية اللبنانية، لا يرون أي ضمانة في عدم إلحاق الرئاسة اللبنانية بالموقع الإقليمي لإيران، مثلما حصل مع الرئيس عون، لتتكرر مع هذا الإلحاق أسباب عزلة لبنان وتردُّد الدول الغربية في مساعدته للخروج من أزمته الاقتصادية المالية، باستثناء المساعدات الإنسانية، وليتجدد امتناع دول الخليج عن الاستثمار في البلد، رغم خطوات التهدئة السعودية الإيرانية.
في تمسكه بترشيح فرنجية استند «حزب الله» إلى فهمه لموازين القوى المحلية والإقليمية على أنها لصالحه، بعد اتفاق بكين. وهو أمر قد يكون صحيحاً في بعض الميادين مثل سوريا، ولا يصح في ميادين أخرى، ولذلك رأى فيه الخصوم محاولة استقواء بالخارج من قبل الفريق الذي يدعو هؤلاء إلى عدم المراهنة على أي جهة خارجية. هو تصرَّف على أن المصالحة السعودية الإيرانية تعني التسليم السعودي الكامل لطهران وحلفائها بالنفوذ الذي بنته في المنطقة، في وقت من التبسيط والمبكر جداً إرساء المعادلة على هذا الشكل. وإلا ما معنى اعتماد خيار «التهدئة» بين الدولتين، في وقت يشهد بعض الساحات الداخلية مثل لبنان معارضة متنامية لهذا النفوذ؟
لم يخدم الخطاب السياسي لـ»الحزب» رغم دعوته إلى الحوار، فرنجية. بدا الحوار نقيضاً للإصرار على ربط نفوذه اللبناني بفائض القوة العسكرية الذي يترجمه في ترجيح هذا القرار أو ذاك في السلطة التنفيذية، حتى في حكومة تصريف الأعمال، سواء أكانت قراراتها صائبة أم خاطئة. ما أضر بفرنجية، تزامن هذا الإصرار مع المناورات العسكرية التي نفّذها وحلفاؤه في حركة «أمل» و»الحزب السوري القومي الاجتماعي». مهما كان القصد من ورائها كانت النتيجة تذكير معارضي خيار «حزب الله» بأنّ استعراض القوة العسكرية، ووجهة استخدامها، يرسمان خياراته في السلطة، ويحفظان له مكتسبات حققها في العهد الرئاسي السابق، خلافاً للاسترخاء الإقليمي.
حتى عندما يناور «الحزب» سياسياً، في السياق الداخلي للصراع على الرئاسة، لتدعيم موقفه، يغرق في التناقض ويفوته بأن الإبقاء على الغموض سيد الموقف بحجة تكتيك عدم كشف الأوراق، لم يعد يغري الآخرين، رغم أنّ هؤلاء استُدرِجوا إلى ملعب التهديد بتطيير نصاب الثلثين الذي كانوا يعيبونه عليه، وتسبب ذلك لهم بانتقادات غربية ومحلية كثيرة. ومن ضمن حسابات «الحزب» الراهنة العودة إلى تعطيل النصاب.
كما أنّ الخصوم استُدرِجوا إلى ملعب التلويح بالفيدرالية الذي ينفّر قوى سياسية تتلاقى معهم على رفض الخيار الرئاسي لـ»الحزب»، لكنها تتمسك بحفظ اتفاق الطائف وتعارض بشدة نسفه بصيغة من هذا النوع...
كل ذلك لا يمنع القول إن «الحزب» أوقع نفسه بحرج في محطات عدة خلال الأشهر الماضية. فنائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم مثلاً، كان دعا الخصوم قبل أكثر من ثلاثة أشهر، إلى الحوار والتوافق على المرشح الذي يحصل على الرقم الأعلى، إثر انكشاف عدم قدرة أي من الفرقاء، على مدى 11 جلسة منذ 29 أيلول 2022 حتى كانون الثاني 2023 في الحصول على 65 صوتاً في الدورة الأولى للاقتراع التي تتطلب 86 صوتاً، إبان المنافسة بين معوض والورقة البيضاء، التي كان يشاركه «التيار الحر» في الاقتراع بها. فالشيخ قاسم تسلّح بمنطق عدد الأصوات ليفترض بأنّ عدد النواب الذين يقترعون للمرشح للرئاسة النائب ميشال معوض، سيكون أقل من عدد أصوات فرنجية ما يعني الدعوة إلى انسحابه لمصلحة رئيس «المردة».
بهذه الحسبة يورط «الحزب» نفسه، ولو نظرياً، في وجه خصومه الذين بإمكانهم دعوته إلى القبول بالوزير السابق جهاد أزعور، إذا جاءت حصيلة الأصوات التي تؤيده أكثر من النتيجة التي يمكن أن يحصل عليها فرنجية، حتى لو لم يبلغ أي منهما أكثرية الـ65 صوتاً. من الطبيعي في هذه الحال أن يخالف «الحزب» قاعدة وضعها هو.
إنها عينات من مظاهر الإرباك التي حفلت بها الأشهر السبعة الماضية. وبعد المفاجأة التي شكلها لـ»الحزب»، توافق المعارضة و»التيار الوطني الحر»، على دعم ترشيح أزعور، على اللبنانيين ترقب جديد المناورات المقبلة.
وليد شقير - نداء الوطن