إسكوبار سوريا والجامعة العربية
بعد يوم واحد على عودة سوريا إلى الجامعة العربية بموجب قرر تبناه وزراء الخارجية العرب برئاسة مصر في السابع من الشهر الحالي، نفذ الطيران الملكي الأردني غارة جوية في الداخل السوري وتحديداً على قرية «الشعاب في ريف السويداء الشرقي» حيث يتموْضع كبير مهرّبي الكبتاغون «مرعي الرمثان» الملقب بـ«اسكوبار سوريا».
القرار الشجاع والمسؤول الذي اتّخذه وزراء الخارجية العرب دونه إلتزامات كثيرة على سوريا احترامها، هو خيار منازلة خصوم الأمس في سوريا وتأكيد التزام العرب بمسؤولياتهم تجاه الشعب السوري، وهو حكماً ليس قرار عودة الجامعة العربية الى سوريا. فربما هي المرة الأولى التي تسمّى الأمور بأسمائها وتوصّف المشكلات على حقيقتها وتحدّد المسؤوليات بدقة دون مراعاة لأيّة إعتبارات، بما يقطع الطريق على تصوير قرار العودة وكأنه تصحيح للسلوك العربي حيال سوريا أو عودة عن خطأ ارتُكب بحق رئيسها أو نظامها.
وإذ اعتبر أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أنّ الخطوة المتّخذة هي بداية لحلّ الأزمة في سوريا التي ستكون «تدريجية وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 «، وهذا «لا يعني استئناف العلاقات بين الدول العربية وسوريا لأن الأمر متروك لكلّ دولة وفق رؤيتها»، فإنما يعبّر عن حراجة الموقف السوري وعن دقة الإلزامات المطلوبة من دمشق حيال القرار المتّخذ.
لقد عبّرت الحركة الدبلوماسية الكثيفة التي تمحوَرت حول عودة سوريا ــ بعد توقيع الإتّفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية برعاية الصين في 10 مارس/آذار المنصرم ــ والبيانات الصادرة عقب زيارات وزير خارجيتها فيصل المقداد إلى كلّ من جمهورية مصر العربية والسعودية والجزائر وتونس ما بين الأول والخامس عشر من شهر إبريل/نيسان، عن رغبة عربية باستعادة لسوريا جديدة الى الجامعة العربية عبر مدخليْن، سياسي يهدف لإنهاء أزمة الإنتقال السياسي بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، وإنساني متّصل بتقديم المساعدات الإنسانية لكلّ محتاجيها وفق الآليات المعتمدة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وقد أكّدت على ذلك زيارة وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان الى سوريا ولقائه الرئيس بشار الأسد.
يمثّل البيان الختامي الإستثنائي لاجتماع عمّان التشاوري الذي عقده وزراء خارجية سوريا ومصر والعراق والسعودية والأردن في الأول من شهر مايو/ أيار الحالي لبحث سبل إنهاء الأزمة السورية الخطة المرحلية والآلية التنفيذية لمسار العلاقات العربية الجديدة مع دمشق. لقد أعطى البيان الأولوية لمسألة التهريب العابر للحدود، ولم يتوانَ المشاركون عن تحديد مهام كلّ من الدول في ما يتعلّق بمصادر إنتاج المخدرات والتأكيد على الموافقة السورية على وقف التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق والعودة الطوعيّة والآمنة للاجئين وإنهاء وجود الجماعات المسلّحة.
دلالات الغارة الأردنية العابرة للحدود ومقتل «الرمثان» الذي يدير عمليات منظمة لتهريب الأسلحة والمخدرات تستخدم فيها طائرات مسيّرة وتحظى بحماية ميليشيات تدور في فلك طهران ليست أقل وقعاً من عودة سوريا الى الجامعة العربية، بل ربما تتجاوزها. وفيما يمثّل «الرمثان» نموذجاً مألوفاً، لا يقتصر على سوريا وحدها، في استباحة القانون والسيادة الوطنية، تضع الغارة الأردنية العلاقة الجديدة مع سوريا في إطارها الواقعي والملزم لاحترام سيادة دول الجوار وأمنها المجتمعي، بعيداً عن المعايير التي اعتادت دمشق فرضها على محيطها. يدرك الرئيس بشار الأسد أنّ الميليشيات المتمركزة في سوريا بما فيها تلك التي استدعاها لحماية نظامه غير مشمولة بقرار العودة وأنّ بطاقة العودة تمرّ عبر التخلي عنها.
ماذا ستقول سوريا أمام القمّة العربية التي ستعقد في 19 أيار/مايو في الرياض والتي ستتصدر أزمتها والإتّفاقات المعقودة بشأنها جدول الأعمال؟ وكيف يمكن لسوريا التوفيق بين الإلتزامات حيال الجامعة العربية لا سيما ما يتعلّق بالميليشيات المسلّحة غير الشرعية وتفعيل الدور العربي القيادي في جهود حلّ الأزمة السورية أو بالقرار 2254 والإتفاقات المعقودة مع إيران التي تكرس واقع الحال والتي تمّ التأكيد عليها خلال زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي لسوريا؟
كيف ستنظر الجامعة العربية في اجتماعها المقبل للغارة الأردنية على الداخل السوري وهل يؤسّس مقتل اسكوبار لمرحلة جديدة من المواجهة مع الميليشيات العابرة للحدود بغطاء من الجامعة العربية؟
العميد الركن خالد حماده