كيف نبني مستقبل لبنان ومن يستطيع إنقاذه قولاً وفعلاً؟
من يستطيع إنقاذ لبنان قولاً وفعلاً؟ أيّ قيادة قادرة على هذا الفعل؟
البلد الذي يسير باتجاهات “جهنمية” يحتاج إلى إنقاذ وليس إلى مهدئات فقط! المرشحون لرئاسة لبنان هم من “أهل” الطبقة السياسية التي أغرقت لبنان في أتون الفوضى والإفلاس والجهل والهجرة والفقر والدمار. هل من عاقل يصدّق أنّ انفجارًا (في مرفأ بيروت) دمّر نصف العاصمة، ولا أحد من الطبقة السياسية الحاكمة يأبه لما أصاب المدينة من دمار، ويتمّ إيقاف التحقيق في هذه القضية التي لو حصلت في أيّ عاصمة أخرى، لكانت النتيجة مختلفة تمامًا… ولكان الناس قد أودوا بالحاكم وبالحكام، وبالقضاء “المأزوم” إلى حيث يجب أن يكون كل هؤلاء!
يردّد سياسيون: لماذا انتخاب رئيس للجمهورية يزيد البلد دمارًا فوق دمار، وتفرضه “جهة سياسية” قادرة وفاعلة على الأرض ومدعومة من الخارج؟ فليشهدْ لبنان فراغًا رئاسيًا يمتد لسنوات وسنوات، فلا أحد يقبل بأن يصل رئيس للبلاد يكمل مسيرة سلفه التي ساهمت مع المنظومة في وصول لبنان واللبنانيين إلى هذا الدَرْك المخيف من الانهيار.
◙ التسوية الإقليمية التي حصلت بين السعودية وإيران يأمل كثيرون أن تطال لبنان في مندرجاتها لينعم هذا الوطن المعذب بالطمأنينة والاستقرار وليس الاكتفاء بعناوين إقليمية أخرى تبدأ من اليمن ولا تنتهي بسوريا
إن لبّ المشكلة في لبنان هو عدم وجود قيادة سياسية تليق به. قيادة تصهر جميع “الشعوب” اللبنانية في شعب واحد، وتصهر جميع الطوائف في طائفة واحدة اسمها “لبنان”.
يقول المفكر اللبناني ميشال شيحا في مقال له (16 شباط – فبراير 1936 – راجع كتابه: في السياسة الداخلية): “فلنحفظ الماضي. ولكن علينا، من الآن، أن نبني المستقبل”.
إن بناء المستقبل هو مسؤولية لبنانية عامة وشاملة، يأمل اللبنانيون ألّا تبلغ منا الحماقة ألّا ننتخب رئيسًا للجمهورية وأن نفسد ما تبقى للبنانيين من أمل في استعادة دورهم وأموالهم وسياساتهم وطموحاتهم.
ويؤكد شيحا أن “الحِكم توقّع وفِعل.. الحكم بناء للمدينة وليس تهيئة لانهيار قواعدها”. وحول الفساد يقول في مكان آخر من الكتاب: “البشر الذين تربّوا على أن سرقة الدولة شطارة ودفاع عن النفس، كيف يمكن أن نطالبهم بحمل همّ المصلحة العامة وببناء المدينة؟”. ويرى شيحا أنه في “المواطن الحسّاسة من الدولة، نحتاج إلى قادة يكونون قادةً حقًا لا أدوات ضعيفة وذليلة!”.
يقوم لبنان عندما تقوم فيه الدولة القوية. فليس هناك وطن من دون دولة قوية. ولبنان يحتاج إلى قيادة سياسية قادرة وفاعلة من خارج “المنظومة” التي أفسدت البلاد والعباد وحكمت لبنان منذ عقود، وهي مستمرة في حكمه حتى اليوم.
يرى الدكتور فيليب سالم في مقال له في كتابه “فلسفة التمرد والثورة” صفحة 147، أن المطلوب هو قيادة تبلور رؤية جديدة وواحدة للبنان الذي نريد، وتضع إستراتيجية للوصول إلى هذه الرؤية.
ويضيف: “منذ الاستقلال إلى يومنا هذا لم تقم الدولة. من يقول اليوم إن الدولة لا تقوم بوجود الدويلات فهو على حق. كذلك هو على حق أيضًا من يقول إن الدولة لم تقمْ يوم لم تكن هناك دويلات. لم تكن الدولة دولة قبل الحروب التي قتلتنا وشتّتتنا . ولم تكن الدولة دولة قبل المقاومة الفلسطينية، ولم تكن الدولة دولة قبل المقاومة الإسلامية. إن عدم قيام الدولة لم يكن نتيجة لقيام الدويلات فحسب بل كان سببًا لوجودها. وعبثًا نحاول اليوم بناء الدولة إن لم نتمكّن من صنع قيادات سياسية قادرة على الارتقاء بنا إلى الوطن”.
ويقول الدكتور سالم: “أول ما نريده اليوم هو انتخاب رئيس جديد قائدًا لا رئيسًا توافقيًا، رئيسًا لبنانيًا لا رئيسًا مسيحيًا، رئيسًا رؤيويًا لا رئيسًا تقليديًا. نحن في حاجة إلى رئيس بحجم نيلسون مانديلا. فهل هناك بين اللبنانيين واحد يشبهه؟”.
لا بدّ من التسليم بأن اللبنانيين المسؤولين عن الشأن العام يتبعون “منهاجًا لا أفق له” كما يردّد شيحا منذ العام 1953. ويضيف: “الرأي السائد أن دولتنا هزيلة القوام. وهذه عبارة حمّالة أوجه. فقوام الدولة بالوضوح في الفكر وبالعمق في العقيدة وبالنضج في القرارات وبالجرأة في الأفعال”.
لكن ساسة لبنان – مع الأسف – لا يملكون أيًا من هذه المواصفات. لذا أوصلوا البلاد إلى ما وصلت إليه من انهيار شامل.
◙ لبّ المشكلة في لبنان هو عدم وجود قيادة سياسية تليق به. قيادة تصهر جميع "الشعوب" اللبنانية في شعب واحد، وتصهر جميع الطوائف في طائفة واحدة اسمها "لبنان"
ما يهمّ اليوم هو صياغة برنامج اقتصادي ومالي وسياسي حقيقي يطمئن اللبنانيين وليس الاستمرار في كيل الاتهامات وتعطيل الجلسات. وهذا البرنامج يطرحه مرشح رئاسي جدّي يثق به اللبنانيون ويشكّل تقاطعًا بين سائر القوى، ويكون قائدًا بالفعل لجمهورية يُمكنه إخراجها من صقيع الموت إلى حرارة الحياة والازدهار والتقدم.
إن التسوية الإقليمية التي حصلت مؤخرًا بين السعودية وإيران برعاية صينية، يأمل كثيرون أن تطال لبنان في مندرجاتها لينعم هذا الوطن المعذب بالطمأنينة والاستقرار، وليس الاكتفاء بعناوين إقليمية أخرى تبدأ من اليمن ولا تنتهي بسوريا.. لأن لبنان هو أكثر الدول التي تحتاج إلى رعاية إقليمية ودولية للخروج من الدوّامة التي يعيشها، دوّامة الانهيار السياسي والاقتصادي.
لبنان يعاني من فساد وعدم كفاءة وغطرسة وكلام منمّق. وهناك نوايا جرمية تستهدف اللبنانيين (الكلام القضائي الفرنسي عن “عصابة أشرار” واضح!). هناك ترقيع فقط في قضية سرقة أموال المودعين، أو ما يسمّى بـ”قضية العصر”. أين أصبح التدقيق الجنائي؟ وبماذا يدققون؟
استقالة الوزير إميل بيطار المدوّية من “حكومة الشباب” التي كان يرأسها صائب سلام في عهد الرئيس السابق سليمان فرنجية، كانت مؤشرًا واضحًا للاحتجاج على “الكذب” الذي هو ملح السياسة اليومي. حتى الوزير جورج أفرام أقالوه لأنه “رجل إصلاحي” ولأن لا أحد يريد النهوض بالبلاد.
المطلوب، كما قال البطريرك نصرالله صفير: “رئيس لا يخجل حاضره من ماضيه”… رئيس يحمل رسالة لبنان إلى العالم… لبنان الأكثر من وطن… الذي حوّلته “عصابة الأشرار” إلى مزرعة سائبة تحكمها ذئاب شرسة!
إن الحاجة باتت ملحّة لطمأنة لبنانيين قلقين على حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم والأجيال الجديدة. يجتاز لبنان اليوم مراحل صعبة قد تكون الأصعب في تاريخه الحديث. هو يريد ثقة بالمستقبل بينما السياسيون يقودونه إلى سكون الموت والانهيار.
أسعد الخوري - العرب اللندنية