من يشعل حروباً في لبنان، ولماذا؟
ثلاث حروب يعمل خبثاء على إشعالها ويتولى أغبياء الترويج لها في لبنان:
1- “حرب التوطين” تحت عنوان اضطهاد لبناني مزعوم “للنازحين” السوريين“
2- “حرب الردع” تحت عنوان “صراع مسلّح” بين اللبنانيين و”النازحين” السوريين
3- “حرب أهلية” “يُراد لها أن تتحول إلى صراع بين المسلمين السنة والمسيحيين”.
فمن يشعل كل واحدة من هذه الحروب، ولماذا، ومن يروّج لها؟
1- “حرب التوطين” أو الاضطهاد المزعوم “للنازحين السوريين”:
بدايةً لا بدّ من التوضيح أنه لا يوجد في لبنان “نازحون” لا سوريون ولا من أيّ جنسية أخرى.
صفة نازح تطلق حصراً على من أُجبر قسراً على النزوح من منطقة يعيش فيها إلى منطقة أخرى “ضمن دولته” والنازح هو الشبيه لغوياً لصفة المهجّر التي كان اللبنانيون يردّدونها في الحرب الأهلية ويبدو أنّ البعض ما زال يحلم بتكرارها.
لذلك يوجد “نازحون” سوريون في سوريا تركوا مناطقهم وأملاكهم التي كانوا يعيشون فيها ويستثمرونها والتجأوا إلى أماكن أخرى ضمن حدود سوريا.
السوريون المتواجدون في لبنان ينقسمون إلى ثلاث شرائح:
أ- “المستوطنون” وهم لاجئون وفق تصنيف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يقيمون في مخيمات عشوائية أو منازل مستأجرة ويتلقون من المفوضية المذكورة مساعدات مالية وصحية وتعليمية وإعاشات.
هؤلاء ممنوعون قانونياً من العمل في لبنان، لكن كثراً منهم، لا سيما أرباب العائلات، يعملون من خارج أي تصريح قانوني، ويغادرون لبنان إلى سوريا عبر معابر التهريب ويعودون كما غادروا مع نهاية كل شهر لقبض مستحقاتهم في لبنان علماً بأنهم يجب أن يتقاضوا هذه المخصّصات في سوريا التي يعودون إليها عندما يريدون، لكنهم يبقون في لبنان لأنهم في واقع الحال “استوطنوا” لبنان. بدليل أن عددهم بلغ 830 ألفاً لغاية عام 2015 لكنه ارتفع الآن إلى قرابة مليون و300 ألف بسبب تكاثرهم الذي تبلغ نسبته 7 ولادات “لمستوطنين” سوريين مقابل ولادة واحدة لمواطنين لبنانيين.
هؤلاء “المستوطنون” السوريون يشكلون خطراً حقيقياً على النسيج الاجتماعي اللبناني لأنهم لا يريدون العودة إلى سوريا، وحتى إذا أرادوا فإن المناطق التي أُكرهوا على مغادرتها قد صادرها النظام أو تمّ بيعها لمستوطنين إيرانيين في سوريا في تكرار سمج لقانون الاستملاك الإسرائيلي الذي يصادر عقارات وأراضي الفلسطينيين الذين غادروا فلسطين.
ب- مواطنون سوريون يتواجدون قانونياً في لبنان لجهة دخولهم القانوني، وإقاماتهم القانونية، وإجازات عملهم. وبعضهم يملكون مصالح ويدفعون ضرائب ورسوم وهؤلاء لا شكوى ولا ضرر من وجودهم، بل وجودهم مطلوب ومرغوب فيه تقليدياً.
ج- السوريون الذين دخلوا لبنان خلسة عبر معابر التهريب، ويقيمون في لبنان من دون الحصول على إقامات، ويعملون من دون الحصول على أذونات عمل، هؤلاء تدور الضجة حولهم.
لا يوجد إحصاء دقيق لكل شريحة على حدة، ولا يوجد إحصاء للوجود السوري عموماً في لبنان، ولكن يتفق على عدد متداول هو 2 مليون و800 ألف سوري في لبنان، مع التأكيد والتشديد على أنّ مفوضية اللاجئين ترفض تزويد الأجهزة اللبنانية بقاعدة بيانات اللاجئين السورين كما لا يوجد في لبنان مخيّمات مخصصة للاجئين السوريين حصرياً لذلك يتوزعون على قرابة الـ 3 آلاف مخيم عشوائي يقيم بعض من اللاجئين في بعضها ويقيم معهم مقيمون غير شرعيين من مختلف الجنسيات.
المشكلة الحالية تتعلق بمزاعم وتلفيقات إعلامية، تناقلت بعضها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العفو الدولية وتزعم بأن الجيش اللبناني “يضطهد” اللاجئين السوريين ويرحّلهم بالإكراه إلى دولتهم، وهو افتراء صرف.
الجيش اللبناني ينفذ مداهمات لأماكن تجمّع لسوريين بحثاً عن المقيمين غير الشرعيين، الذين دخلوا لبنان خلسة عبر معابر التهريب التي تسيطر عليها عصابات التهريب اللبنانية والسورية، ويعيدهم من حيث أتوا.
وصار لدى البيئة اللبنانية المضيفة قناعة بأن مفوضية الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وبعض المنظمات غير الحكومية، لا سيما الدولية منها، تعمل على توطين السوريين في لبنان، لذلك فإن بعض برامجها التعليمية توجه اللاجئين السوريين إلى كيفية الشراكة في الأعمال مع المواطنين اللبنانيين. فإن لم يكن هذا تمهيداً للتوطين، فما هو؟
هذه الحالة عبّر عنها النائب اللواء جميل السيد بتغريدة تويترية كتب فيها: “سبع مدارس مخصصة للنازحين يجري بناؤها في عدة مناطق، كل بناء من ثلاثة طوابق وكل طابق ٦٠٠ متر مربع، مع ملاعب وغيرها! وزارة التربية ملزمة بتعليمهم المنهاج الدراسي اللبناني وليس المنهاج السوري، وهذا معناه أنّ الخطة (تقتضي) بأن لا يعودوا أبداً إلى بلدهم! وغداً ستكون هنالك أسلحة في مخيماتهم”..
بغض النظر عما إذا كانت الأسلحة ستصل إلى اللاجئين السوريين أم لا، يبقى أنّ تعليمهم البرنامج اللبناني هو خطوة مباشرة على طريق توطينهم في لبنان.
كما أن بعض المنظمات غير الحكومية المشبوهة تعمل على توزيع مساعدات لسوريين يقيمون بصفة غير شرعية في لبنان، ويتعامل بعضهم مع التنظيمات الإرهابية التي كانت موجودة في منطقة حمص السورية مثلاً ومنها “حمص Leagueالتي كانت معروفة بتعاملها مع داعش وأمثالها.
تضج البيئة اللبنانية المضيفة بقناعة متزايدة بأن مفوضية اللاجئين تعمل على توطين اللاجئين السوريين في لبنان لذلك ترتفع وتيرة المطالبة للجيش اللبناني بعدم الاكتفاء بتنفيذ مداهمات بحثاً عن لاجئين غير قانونيين، بل المطلوب تنفيذ حواجز متنقلة لاصطياد المقيمين غير القانونيين، ولا سيما أرباب عائلات اللاجئين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إضافة إلى 200 ألف سوري من الذين دخلوا خلسة إلى لبنان واختفت أخبارهم، وهم ممن يعتقد بانتمائهم إلى تنظيمات إرهابية أو عصابات تهريب مخدرات وخلافه.
“حرب توطين” اللاجئين السوريين والإرهابيين والمهربين في لبنان انطلقت ولا بد لمواجهتها وإحباطها من اعتقال اللبنانيين الذين يؤمنون الغطاء لهذه الحرب القذرة، أكانوا من أهل إحدى السلطات الثلاث أو من وجهاء الإدارات كلها، مدنية كانت أو غير مدنية.
2- “حرب الردع” تشنّ للترويج لقوة تزعم أنها قادرة على ردع التوتر المتنامي بين المعسكر الموالي لإيران والمحور السيادي، لا سيما بعد المشهد الذي برز من المهرجان الوطني الذي أقامته العشائر العربية في خلدة والذي لفت محور فارس إلى إمكانية انطلاق حركة سيادية جديدة على شكل نسخة متطورة من تجربة 14 آذار لن يتمكن النظام السوري من ردعها، بل يحاول محور فارس شراء مهمة ردع لهذه الحالة ليقايض منع تحولها إلى حرب أهلية مزعومة بمنحه دوراً يساعده على التمسك بما أنجزه قبل أن يطيح بإنجازاته الاتفاق السعودي الإيراني بوصاية صينية.
“حرب الردع” هذه تعاني من عدم توفّر حليف سني جدي خارج إطار عصابات سرايا المقاومة، مع الاعتذار من العصابات، وتذكرني هذه الحرب بعرض في سيرك للغجر بإسبانيا لقرود ترقص على ظهور حمير وتصل قمة العرض إلى قفزات تتبادل خلالها القردة حميرها.
جل ما تستطيع أن تحققه “حرب الردع” هذه هو تبادل القردة والحمير، أما الباقي فسيحدده الخارج … غير الفارسي حتماً.
3- “الحرب الأهلية” المزعومة هذه هي التي يتشارك مجنونان في شنها، أحدهما جندي لبناني سابق يعيش في كندا كان قد سرّح من الجيش لإصابته بـ “اختلال عقلي”، وثانيهما مجموعة من المصابين باختلال اجتماعي إضافة إلى العقلي تتولى توزيع ما ينشره المختل عقلياً لا لاقتناعها بما يقوله، بل عملاً بقاعدة من يبول في ثيابه نكاية بالطهارة.
في مطلق الأحول السلطات الكندية ستعالج فلتان المختل عقلياً، ليس بالضرورة رأفة باللبنانيين في لبنان، بل لأن شتائمه وتفاهاته وسفاهته تحظرها القوانين في كل دول العالم، ولأن شتائمه وسفاهاته يمكن أن تنتج عنفاً في كندا بين لبنانيين بعضهم يؤيده وغالبيتهم ترفض تفاهاته وسفاهاته.
إنها حرب القفز في المجهول في الوطن والإنتشار، أبطالها مجانين، وضحاياها من المغفّلين الذين لا يعرفون الفارق بين الوفاء ولحس الحذاء.
محمد سلام - هنا لبنان