جرح فارسي في جسد العرب، تقيّح وإنفجر
لماذا قرّرت أميركا “الآن” فرض عقوبات على الشقيقين اللبنانيين تيدي وريمون رحمة مع أنّ المنشور عن ملف أعمالهما الملتبسة يعود في العراق إلى بدايات القرن الحادي والعشرين وفي لبنان إلى العام 2017؟
في العام 2004 مُنحت شركة عسكرية أميركية متعاقدة برئاسة المدعو دايل ستوفيل عقوداً متعلقة بوزارتي الدفاع والكهرباء العراقيتين لكن بدلاً من الدفع للشركة الأميركية، أدخل مسؤولون في وزارة الدفاع العراقية اللبناني ريمون زينة رحمة بصفة وسيط في العقد وسدّدوا له مبلغ 25 مليون دولار من الأموال المستحقة لشركة ستوفيل.
وبعدما أمضى ستوفيل إجازة في أميركا عاد إلى العراق لمتابعة أعمال شركته وتحصيل أمواله، وفي 8 كانون الأول 2004 تواصل ستوفيل مع ريمون زينة رحمه وأبلغه أنّه متوجهٌ إلى وزارة الدفاع لتحصيل المتوجب له إلّا أنّه قتل مع مرافقه في كمين قبل الوصول إلى وزارة الدفاع العراقية وتُركت جثّتاهما على الطريق.
وذكر موقع “ذا هيل الأميركي” أنّ ريمون زينة رحمة كان “آخر شخص راسله ستوفيل عبر البريد الإلكتروني” قبل مقتله.
لم يحاول العراق بعد مقتل ستوفيل إسترداد الـ 25 مليون دولار ولم يدفع تعويضات لعائلة ستوفيل المكونة من أرملة وولدين مراهقين.
هذا في العراق، أما في لبنان فقد فرضت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء في 4/4/2023 عقوبات على الشقيقين تيدي وريمون رحمة وكيانات يملكانها، على خلفية «استفادتهما من الفساد العام»، كما جاء في البيان الأميركي.
واتهمت وزارة الخزانة الأميركية الأخوين رحمة باستخدام «ثرواتهما وقوتهما ونفوذهما للانخراط في ممارسات فاسدة تسهم في انهيار حكم القانون في لبنان»، لافتة إلى أنّهما «استخدما إمبراطوريتهما التجارية وعلاقاتهما السياسية لإثراء نفسيهما على حساب الشعب اللبناني».
وجاء في البيان الأميركي أنّ “الشركات العائدة لهما فازت بالعديد من العقود الحكومية من خلال عملية مناقصة عامة يسودها الغموض، وأنه في عام 2017 حصل الشقيقان على عقد لاستيراد الوقود لاستخدامه من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، ولاستيراد الوقود نيابة عن وزارة الطاقة في عملية مناقصة تمّ الإبلاغ عنها على نطاق واسع، وأثناء التعاقد، استورد الأخوان رحمة وقوداً ملوثاً، مما ألحق أضراراً كبيرة بمحطات توليد الكهرباء اللبنانية.
طاولت العقوبات بحسب البيان الأميركي شركة «زد آر إنرجي دي أم سي سي» ومقرها في الإمارات، ومجموعة «زد آر غروب هولدينغ» و«زد آر لوجيستيكس» ومقرّهما في لبنان، وهي شركات مملوكة للأخوين رحمة وفق ما ذكره البيان الأميركي.
ونعود إلى السؤال الأساسي: لماذا أعلنت الإدارة الأميركية (الآن) العقوبات على الشقيقين مع أنّ ملفهما لديها يعود إلى العام 2004 في العراق وإلى العام 2017 في لبنان؟
في لبنان يفسّرون أيّ تطور بالشغور الرئاسي. ووفق هذا النهج غصّت مواقع التواصل الإجتماعي بصور للأخوين رحمة مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وزوجته النائب ستريدا جعجع التي يزعم البعض أنّهما كانا يمولان لها مهرجانات الأرز، وهذا ما أوضحه العميد وهبي قاطيشا الذي أكّد أنّ الأخوين أبناء بشرّي ومساهمتهما في أيّ مشاريع تتعلّق بالمنطقة تأتي في سياق طبيعي، دون أن يتخطّى الأمر هذا الإطار.
كذلك وزع ناشطون فيديو قديم لمرشح المعسكر الفارسي لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية يفاخر فيه بعلاقته وصداقته المتجذّرة مع أحد الأخوين رحمة.
كما يزعم أنصار التيار الوطني الحر بأنّ للأخوين رحمة علاقات مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
بغضّ النظر عن جدّية أو صدقية أيّ من الإجتهادات يبقى أنّ إعلان قرار العقوبات الأميركي صدر في توقيت زاخر بالجهود المبذولة فرنسياً وعربياً للبحث في إجراء الإنتخابات الرئاسية من دون الوصول إلى نتيجة، حتى الآن.
فهل تحاول أميركا فرملة المسار الفرنسي الذي يعطي نفسه الأحقيّة في حلّ مسألة الشغور الرئاسي اللبناني عبر سلسلة من الإقتراحات والمقايضات التي أثبتت فشلها حتى الآن؟
أم هل تحاول أميركا فرملة المسار العربي بعد إتفاق التطبيع السعودي – الإيراني برعاية صينية لتؤكد أنّ واشنطن هي التي تحدّد مسارات الحلول في الشرق الأوسط، لا سيّما في الهلال الأخضر (لبنان-سوريا-الأردن-العراق) معطوفاً على البيان الأميركي الأخير الذي أكّد وشدّد على رفض التطبيع مع نظام الأسد وإبقاء العقوبات عليه ما يحبط سعي العرب لاستعادته إلى حضنهم على الرغم من فشل 19 جولة محادثات برعاية روسية عرفت باسم مسار أستانة في إيجاد حلّ سياسي للمعضلة السورية.
ولا يمكن إلّا التوقف عند بيان حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يوضح أنّه على الرغم من إلتزامه بتزويد أوكرانيا بما تحتاجه من أسلحة إلا أنه لا يقبل بإنضمامها إلى الحلف قبل أن تستعيد كامل سيادتها على الجزء الذي تحتلّه روسيا من الأرض الأوكرانية.
ويعتبر البيان بمثابة رسالة غير مباشرة موجهة إلى الدول العربية الساعية لاستعادة الأسد إلى حضنها، فهل ستقبل جامعة الدول العربية سوريا مع حمولتها الإيرانية الإضافية وعقاراتها التي صارت ملكاً لإيران، وتخلخل ميزانها الطائفي أم تريد سوريا بعد استعادة سيادتها على أراضيها؟
وفي هذا الصدد لا يمكن إلا التوقف عند التصاعد الكبير بعد إتفاق التطبيع السعودي – الإيراني، في غزارة الغارات الجوية الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية في سوريا بحيث صارت شبه يومية في ظلّ عدم مشاركة روسيا في التصدّي لها.
العقوبات الأميركية على الرحميين الإثنين، على ما يراه دبلوماسي من طاقم جامعة الدول العربية، هي بمثابة “فرصة للدول العربية لإعادة ترتيب التحالفات وقواعد الإشتباك، خصوصاً في ضوء نقل قواعد القوات البرية الأميركية من قطر إلى الأردن مع الحفاظ على قواعد القوات الجوية في قطر، ما يوحي بإستعداد لأمر كبير قد ينبت من هذه الفلاحة”.
قرار العقوبات الأميركية على الأخوين رحمة أشبه “بجرح في جسد الهلال الأخضر أُختم (أي خُتم بالإكراه) على زغل فتقيّح وإنفجر ما يستدعي تطهير كل دول الهلال كي لا يلتهب الجرح الفارسي في جسدها ويقتلها”.
محمد سلام - هنا لبنان