حدود الأزمات واللعنات في بلد اللاممكن
كتب المدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسان فلحة في "النهار" اليوم مقالاً بعنوان "حدود الأزمات واللعنات في بلد اللاممكن" جاء فيه:
عندما تشتد الأزمات الداخلية في لبنان وتبلغ مداراتٍ خارجيةً يستعصي معها ايجاد المخارج وتسد الآفاق وتنسحب معها الآمال الى انكفاءات حادة تتجاوز حالات اليأس يدرك اللبنانيون ان لعناتٍ مقيمةً تلازمهم و تخيم على بلادهم ذات الأضداد المتجانسة وذات الارتدادات المستديمة لاختلافات تظهر اقل مما تخبو لعلتي الائتمان والثقةالمفقودتين ،والطاقة الغريزية المحمومة في تبادل الشك و التربص بالتنوع العقائدي و الفكري، واعتمادسوء الظن في ادارة امور البلاد ، ولاضير من القول إن السبب الجوهري في تكوين هذه الريبة يتأتى من طبيعة النظام العصي على التطور والموغل في العجز واستدراك الحلول لمشاكله المتوارثة و التليدة .
منذ ان رسم الفرنسيون وقبلهم الأتراك بلد اللاممكن بحدوده الجغرافية المتعرجة والطائفية المستعرة و على قاعدة أساسية تقوم على الخصوصية اللبنانية والمحلية والتوازنات الدينية المتوثبة التى تشي بهشاشة التماسك الوطني والتوافق الداخلي على اسعاف الذات من دون الاستعانة بعوامل الضغط الخارجي او اللجوء اليه ، و الذي على يبدو انه ملّ التقشف الداخلي في تجاوز الازمات او خاب منه ومن انتظار سعيه لإعادة انتاج الاستقرار المفقود على الصعد كافة .
إذا ، فالأزمة الأبرز هي التفاوت الحاد في النظرة الى الهوية الوطنية الواحدة، إذا وجدت أصلا ، و التى تشوبها الرؤى المتعددة من قبل اللبنانيين وفق أهوائهم الطائفية و نوازعها المتعددة المقامات ،وخوفها المتبادل والتربص المقيم من الاستدارة الى الخلف ، والتحالفات المبنية على قاعدة مواجهة الآخر .
وبات الواقع الملموس مبنيًا على مركزية الطوائف و لامركزية الوطن .
لقد استباح اللبنانيون بينهم مفردات المزايدة كلها في حلبات المنافسة على ابسط القضايا واوهنوا قدراتهم على لم شمل اوضاعهم او بالأحرى فشلوا في اعادة صياغة الحضور السياسي الوطني المشتت اساسا.
و لابد من الاقرار من ان نظام المتصرفية المضاف اليه جغرافيا الاقضية الاربعة والملحق به التغيير الديمغرافي على مستوى تركيبته البنوية ادى الى انتقال الخلل من سطوة طوائفٍ الى طوائفَ اخرى وبالتالي اوجد علة جوهرية و وجودية هي نظرة الطوائف الى لبنان وكيف تراه ؟واين موقعها ؟و ما لها وما عليها ؟
وهذه مآل الامور ونتائجها المنطقية عندما تقدم الطائفية على حساب الوطنية. والاساس الواقعي هو القلق والحذر المقيمان لدى الكل من الحاضر و المستقبل على ما شهده السابقون قبلا او عاشوه ، او ما دأب اللبنانيون على تسميته بالعيش المشترك الذي فيه الكثير من المغالاة والمنمقات والقليل من الواقعية ، وبالاحرى هناك مظاهر للحقائق و ليست الحقائق بحد ذاتها .
منذ فترات ليست بقريبة
الطوائف (واركانها او سدنة بيوت نيرانها في لبنان ) عريقة في طلب الحمايات من الخارج واعتماد سياسة الولاءات ،و اللعب على حافة الانتماءات في الداخل ،وقد تكون من ابرز الاسباب الدافعة لمثل هذا السلوك هو الموقع الجغرافي والحيز المكاني القائم على عوامل الجذب باتجاه ازمات المحيط ،و فضلا عن التنوع البشري وتعدده في بلد يضيق على حجم ازماته ومشاكله كطبيعة لازمة في "سفر التكوين" .
صحيح ان
،الانقسام الطاغي، عموديا وافقيا
هو الواقع الطائفي، ولكنه انقسام حاد بين "لبنان الإداري". وبين الأطراف ،او لبنان الإداري وبين الملحقات
الأول حيث تتمركز السلطة والاقتصاد والإدارة وبين الآخر. الملحق والتابع ، وهو تبدل تكويني وإعادة رسم جغرافي نتج عنه تغيير مصيري بالاتجاه الاقتصادي والمعيشي والمكاني والتمدد الطائفي .فالجنوب وجهته الاقتصادية وقبلته كانت فلسطين في حين ان البقاع والشمال كانت وجهتهما الحياتية والطبيعية سوريا
ومن هنا تبرز أزمة اللحمة والانتماء او مستوى الترابط الانتمائي وحجمه بين العاصمة .
المركز وبين الأطراف- الملاحق ،
ان قرار الجنرال هنري غورو في تحديد خريطة لبنان وترسيم حدوده عام ١٩٢٠ هو عبارة عن جمع حسابي خارجي ذي حاجة داخلية او مجموع عام بين الملحق والملحق به ،الا ان الأمر لم يقتصر على الحدود الخارجية بقدر ما انتج مأزقا داخليا في المعايير التى اعتمدت في التقسيمات الإدارية الداخلية التى تشكل لبنة الإشكالية المستديمة التى يعانيها الترابط الداخلي اللبناني وأبرز مظاهره قوانين الانتخابات اللبنانية التي تقوم غالبا على الاقتصاص و الاقتناص الطائفي تفوقا او غبنا وهو لب الصيغة اللبناني
الخاصة بلبنان حيث ان "الديموقراطية والحرية والتمثيلي النيابي و تداول السلطة واحتكار المراكز واظهار نَسَبِها الطائفي. والاستماتة في الدفاع عن الهوية الطائفية لأي منصب اداري او حكومي"، هي أمور مُؤسِسة لهذه الصيغة الفريدة وابرز اركان وجودها . وتتمحور كلها ، حول هلع الطوائف من بعضها البعض. و طغيان علاقة الريبة والشك بينها. و هي صيغة طائفية تعاني من عقد التهميش المزمنة لدى الطوائف
الصغرى وتفوق عنصري من الطوائف الكبرى ، والأخيرة تستثمر
جيدا في التحالف المرحلي بين بعضها البعض وعلى حساب بعضها البعض مما يجعل من اللبنانين أمة قلقة دائمة التوتر كثيرة التنافر تتفنن في المجاملات ، ودقة الحسابات المَرَضية على حساب الانتماء الوطني المفقود وبأحسن الحالات المتعدد الولاءات
المتجذر النزعات.
ان نظام التمييز الطائفي يستولد ازمات لبنان المتواصلة ، ويقطع الطريق امام ارتقاء قيمة اللبناني من اسر الجماعة والطائفة الى مرتبة الفرد المواطن ذي الحقوق والواجبات المتساوية،فعندما تنتصر الطوائف لابد ان تخسر الاوطان .اللبناني اليوم يقرأ جيدا ما قاله غازي عبد الرحمن القصيبي ويفقه كثيرا : "الوطن هو رغيف الخبز والسقف والشعور بالانتماء والدفء والإحساس بالكرامة". قد ياتي يوم تصبح الطوائف للدولة وليست الدولة للطوائف …