عهد التغاضي عن السلاح والانشغال بافتعال المشاكل مع الشركاء
كتب معروف الداعوق: ينقضي بعد ماية يوم تقريبا، عهد الرئيس ميشال عون، ومعه تخضع التجربة العونية في تولي رئاسة الجمهورية وادارة السلطة، لتقييم اللبنانيين، بمقارنة، لما كانت عليه اوضاع لبنان لدى تسلم عون الرئاسة، وما اصبحت عليه اليوم، مرورا بالمحطات والاحداث المفصلية التي حصلت خلال هذه المدة.
حفلت التجربة العونية السلطوية، منذ انتخاب عون للرئاسة وطوال مدة ولايته، بجملة، من الممارسات والسلوكيات والتصرفات الشاذة والمدمرة، واهمها:
- تم انتخاب ميشال عون، من خلال المجلس النيابي، باسلوب ظاهره ديمقراطي، ولكن باطنه مغاير تماما، ويعكس بقوة مؤثرات ترهيب سلاح حزب الله، في فرض انتخابه قسرا، بعدما منع لاكثر من عامين متتاليين إجراء الانتخابات الرئاسية، وقطع الطريق على اي مرشح رئاسي آخر للترشح لرئاسة الجمهورية.
--اوكل الرئيس عون صلاحياته وادارة وتسيير شؤون الرئاسة والدولة، لصهره النائب جبران باسيل علناً، في سابقة خطيرة لم يعهدها لبنان على هذا النحو من قبل، بحيث اصبحت كل قرارات الدولة على كل المستويات، تمر من خلال موافقة الاخير، واي اعتراض او رفض منه، يعطل هذه القرارات، ويشل مفاعيلها، بينما كان يقتصر دور رئيس الجمهورية طوال السنوات الست على الظهور العلني، امام الضيوف والسفراء، واحالة اتخاذ القرارات لباسيل شخصيا.
ــــ منذ اليوم الاول انتهج العهد اسلوب محاولة الهيمنة والإمساك بمفاصل الدولة والتسلط على مقدراتها، وتولي مسؤولية الوزارات والادارات ذات المردود المالي المرتفع، وتوظيفها لمصلحة التيار الوطني الحر وليس لمصلحة الدولة واللبنانيين، كما هو مفترض.
-- تسخير بعض القضاة والاجهزة الامنية التابعين له، في مخطط الالغاء والمكايدة السياسية والشخصية، من خلال تركيب ملفات وهمية، وشن حملة ملاحقات مفبركة، لازاحة الخصوم من المواقع االمهمة والاساسية، وتعيين الموالين العونيين، للامساك بمفاصل الدولة وقراراتها، كما يحصل مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وغيره من كبار الموظفين البارزين.
--التغاضي عن استمرار تفلت سلاح حزب الله الايراني من سلطة الدولة وارتكاباته ضد اللبنانيين، وممارساته في تجاوز الدستور والقوانين اللبنانية، ومشاركته بالحروب المذهبية بسوريا والعراق واليمن، وتجنب البحث في موضوع الاستراتيجية الدفاعية التي وعد اللبنانيين، بطرحها، في بداية العهد ولم يفعل شيئا.
--الانشغال المتواصل بافتعال المشاكل مع الشركاء، والانقلاب على التفاهمات المعقودة معهم قبل الوصول للرئاسة، تجاوز الدستور، عرقلة تشكيل الحكومات، وتعطيل مساراتها، ومحاولة اختراع بدع واعراف دستورية، لاصطناع صلاحيات رئاسية تتجاوز الدستور، وتفتئت على صلاحيات الرئاسة الثالثة، وشن حروب الالغاء المتواصلة على الخصوم.
--قطع الطريق على كل محاولات النهوض بالدولة، وتعطيل الاصلاحات المطلوبة في الوزارات والمؤسسات العامة، واجهاض مفاعيل مؤتمر سيدر المالية للنهوض الاقتصادي.
--تغطية سوء الاداء والفشل بادارة السلطة باغراق المواطنين بسيل من الوعود الوردية الجوفاء، وطرح الشعارات والعناوين الفارغة، بدل إتخاذ القرارات الصائبة والايجابية وتحقيق الانجازات المهمة.
--محاولة سلخ لبنان عن محيطه العربي والحاقه قسرا بالمحور الايراني المعادي للعرب، تحقيقا لمصالح رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الشخصية في وراثة عون بالرئاسة.
-- فشل عوني في كل الوزارات والادارات والمؤسسات دون استثناء، والكهرباء وظلامها الدامس،وتداعياتها المدمرة على حياة اللبنانيين واقتصادهم، وهدر الاموال الطائلة تشكل اقوى إدانة، للأداء السيىء، لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي تولى مهمات وزارة الطاقة لأكثر من عشر سنوات، فيما ادراج اسمه على لائحة العقوبات الاميركية للفاسدين، يعطي دليلا اضافيا على تورطه بالفساد.
- امعن رئيس الجمهورية ميشال عون في توظيف كل إمكانيات العهد والرئاسة، وما تيسر من باقي المؤسسات، لمصلحة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل السياسية والخاصة، وسخر إمكانيات الدولة الخارجية، لضمان مكانة وموقع سياسي مميز له، بعد مغادرة عون لسدة الرئاسة، وذلك على حساب المصلحة الوطنية العليا.
حصيلة التجربة العونية، تدل على نفسها بنفسها، نتائجها ماثلة للعيان، لا يمكن تجاهلها او الدوران حولها، بالتوصيفات التجميلية والمبررات الوهمية. ماثلة في كارثة الانهيار الحاصل على كل المستويات. في وقائع انهيار مؤسسات الدولة، تبدل حياة اللبنانيين وعاداتهم، انحدار نمط عيشهم نحو الأسوأ، تدهور علاقات لبنان العربية الى الحضيض، ونفور في علاقاته الخارجية، وتصدع علاقات اللبنانيين بعضهم ببعض.
ينتهي العهد بعد ايام ولبنان بلا كهرباء، والعتمة تخيم على اللبنانيين، على وقع الانهيار المالي الذي لم يشهد له لبنان مثيلا من قبل، المواطنون عطشى بلا مياه، جراء مستتبعات الفشل بوزارة الطاقة والمياه ايضا الخبز مفقود، والمواطن يستجدي الحصول على ربطة خبز، الادارات مشلولة، بلا مستلزمات التشغيل من أوراق وقرطاسية ضرورية، تذاكر الهوية مفقودة، وجوازات السفر تحت رحمة المنصات الالكترونية واخيرا الجيش اللبناني والقوى الامنية يرزخان تحت وطأة الازمة، وطلب المساعدات الخارجية.
لم تفاجئ حصيلة التجربة العونية، الذين عايشوا وخبروا، الرئيس عون، منذ تسلمه مهمات رئاسة الحكومة العسكرية في نهاية ثمانينات القرن الماضي، وما راكمه من في سجله من حروب وخراب وتهجير للبنانيين والمسيحيين خاصة، فيما بقيت توقعات الذين راهنوا عن حسن نية، على انتخابه للرئاسة، آملين تبدل نهجه لدى وصوله الى السلطة نحو الافضل، لانقاذ لبنان من مخاطر الفراغ والانهيار، بمثابة رهانات خاطئة، وفي غير محلها، والكل كان يفضل العيش بالفراغ الرئاسي، بدلا من انتخاب ميشال عون الكارثي والمحبط.
هدّم العهد العوني مرتكزات اساسية في في مكونات الدولة، وأفقر اللبنانيين، وغيّر حياتهم، ولكنه سيخرج من سدة الرئاسة قريبا، بارادته او رغما عنه، يجرُّ خلفه اذيال الخيبة والفشل وسخط اللبنانيين، ولن يأخذ في جعبة حكمه، بصمة واحدة بيضاء خجولة، تخفف من ظُلمة عهده الاسود، لانه لن يستطيع البقاء ولو دقيقة واحدة بالقصر، مهما تفنَّنَ الأقربون باختراع الاجتهادات الدستورية والتفسيرات القانونية، لانه بالنهاية، لايصح الا الصحيح.
حان الوقت ليحكم اللبنانيون بأنفسهم على التجربة العونية، بعيدا عن الانفعال والعصبية والتعصب، ويستخلصوا العبر والنتائج، تجنبا لتكرار هذا الخطأ التاريخي المدمر.