آخر معارك "العهد القوي"... تعيين "محظيين" في أهم المواقع بأمرة باسيل
كتب محمد شمس الدين:
الجلسة الأخيرة للحكومة قبل تصريف الأعمال كانت جلسة ساخنة، ليس بسبب الخلاف بين الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الطاقة في حكومته وليد فياض، اذ أن هناك ما لم يتم تداوله في الاعلام، وهو طرح من خارج جدول أعمال الجلسة حاول وزراء "التيار الوطني الحر" تمريره، عن إقالة كل من قائد الجيش العماد جوزيف عون، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأمر الذي تصدى له ميقاتي ولاقى رفضاً واسعاً حتى من أقرب حلفاء التيار، بحيث أن الجميع يرفض الفراغ، وتحديداً في هذا الوقت الحساس، بينما التيار كل همه إعلان انتصارات أمام جمهوره، حتى لو أدت إلى المزيد من دمار البلد، على الرغم من أن العديد ممن رفضوا طرح التيار لا يستسيغون لا سلامة ولا عون، إلا أن الأمر يتعلق لديهم بالخوف على مصير البلد في هذه المرحلة الصعبة. في المقابل، يمتلك الرئيس المكلف ورقة قوية بيده، هي لهفة رئيس الجمهورية ميشال عون على إقرار تعيينات قبل نهاية عهده، تسمح له ولصهره جبران باسيل بإبقاء سيطرتهما على الدولة لفترة طويلة حتى من دون بعبدا، الأمر الذي يشجع ميقاتي على محاولة انتزاع تنازلات من الرئيس عون، أهمها وزارة الطاقة، ولكن بالطبع لن يأخذ التيار موقف المتفرج، فلديه خطط للالتفاف على ميقاتي. فما هي السيناريوهات المتوقعة؟ وهل لدى رئيس الجمهورية مرشحون بدلاً من سلامة وعون أم أن همه فقط الإطاحة بالمرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية كي يفسح الطريق لباسيل؟
مصادر سياسية مطلعة تخوفت من أن يدخل الرئيس عون و"التيار الوطني الحر" البلد في دوامة دستورية غير مسبوقة، في حال تيقنا من عدم القدرة على تشكيل حكومة مع ميقاتي. وأشارت الى أن "هناك من يدرس كيفية الإطاحة بتكليف رئيس الحكومة في حال لم يتم الإتفاق على حكومة مع رئيس الجمهورية، وإقرار استشارات نيابية جديدة لتكليف رئيس غير ميقاتي، والأمر ليس جديداً فهو نفسه تم درسه عندما كان الرئيس سعد الحريري مكلفاً، ولكن مع اختلاف جوهري، فميقاتي لن يعتذر عن التشكيل مطلقاً، وتحديداً مع الدعم الكبير الذي يحظى به من حزب الله، الذي يريد تهدئة الوضع في البلد، بينما يراهن عون والتيار على الضغط الذي يتعرض له الحزب، اذ أن هناك طرحاً تسوّقه أطراف لبنانية لدى الادارة الأميركية، وهو إنشاء مناطق حرة من دون حزب الله، وهذا الأمر قد يدفع الحزب إلى السير برغبات التيار، ولا سيما أن هذا الطرح مستوحى من ابن عون المدلل، أي القرار 1559".
أما عن البدائل للمواقع التي يسعى التيار الى تغييرها، فعلم أن هناك أسماء عديدة لدى التيار في غالبية المواقع، إلا في قيادة الجيش، كون هذا الموقع له حيثية خاصة، بينما في حاكمية مصرف لبنان، باسيل يرغب في تغيير سلامة بالوزير السابق منصور بطيش، وهو يسعى الى ذلك منذ سنوات، ويلعب اليوم لعبة الطائفية، بحيث بدأت تنتشر الخبريات عن أن الرئيسين نبيه بري وميقاتي يمنعان التعيينات المسيحية عن عون، وبدأت الأبواق بالتسويق لفكرة غبن يلحق بالطائفة المسيحية وأن الرئيسين يحاولان القوطبة على الحصة المسيحية، إلا أن الواقع هو أن العهد لم يبق من عمره إلا القليل، فكيف يمكن تمرير التعيينات حتى لو تشكلت الحكومة؟ والرئيس الجديد سيرغب في العمل مع فريق عمل متناغم معه، لا فريق عمل ينفذ أجندات باسيل.
من جهة أخرى، يحاول باسيل مقايضة استقالة سلامة بإقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الذي هو على خلاف مع الثنائي الشيعي، غير الراضي عن أدائه، وتحديداً في ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، إلا أن عين التينة بالتأكيد لن توافق على مقايضة مثل هذه، وهي تمتلك أدوات الصبر حتى انتهاء عهد عون للوصول إلى حل للملف القضائي مع مجلس قضاء جديد، بينما لا يمتلك عون ترف الوقت، إلا إذا فرض مستشار البدع الدستورية، الاجتهاد غير الدستوري، ببقاء عون في بعبدا، في حال لم يكن هناك توافق على رئيس جمهورية جديد.
رؤساء الجمهورية في كل دول العالم، عندما تقترب نهاية عهدهم، يتصالحون مع الخصوم، ويقدمون جوائز ترضية للشعب، كي يذكرهم بالحسنى لاحقاً، إلا أن عون يبدو وكأنه يريد القتال حتى آخر لحظة من عهده، ولكن الأمر ليس غريباً، فهو لا يعتبر أن عهده انتهى، بل يراهن على أن يرثه صهره، لذلك من الطبيعي أن يستمر في خوض المعارك، من أجل تحسين موقع باسيل، وإذا لم يستطع إيصاله الى سدة الرئاسة، فسيحاول أن يترك له جيشاً من المعيّنين في أهم المواقع، من أجل محاصرة أي رئيس غيره. ولكن يبدو أن الجميع نسي أن ملف رئاسة الجمهورية له ارتباط وثيق بالتطورات الإقليمية، وبالتالي كل هذه المعارك ستكون فعلياً دونكيشوتية، لأنه في حال تم الاتفاق في الخارج، وأتت كلمة السر، فالداخل ينفذ فقط.