إجتماع النقب... ماذا بعد
كتب العميد الركن خالد حماده في "اللواء":
إختبرت الحرب الدائرة في أوكرانيا كلّ أساسات النظام الدولي القائم بنسخته الأميركية. إعتقدت واشنطن إنّها قادرة في آنٍ على استنزاف روسيا وضبط سلوك الحلفاء، كلّ الحلفاء، وإعادة الصين الى بيت الطاعة وتعويم الدولار الأميركي عن طريق إرتفاع الإنفاق الدفاعي في الدول المستنفرة على امتداد حلف الناتو. لم يقتصر الفشل على الإخفاق في حماية أوكرانيا التي دُفعت منذ العام 2014 لمواجهة موسكو، فقد أغرق الخيار الأميركي أوروبا برمّتها في مواجهة إقتصادية وعسكرية غير محسوبة وفشل في الوقت عيّنه بتوحيد الحلفاء والأصدقاء حيال موقف موحّد من الإجراءات والعقوبات التي فُرضت على موسكو. تراهن واشنطن على الوقت لتحقيق أهدافها، وتعتبر أنّ لديها ما يكفي من المرونة لجلب المتلكئين إلى ساحات المواجهة واحتواء المواقف التي لم تستجب للإجراءات والقيود الإقتصادية لا سيّما المتعلّقة بزيادة الإنتاج من النفط والغاز.
مقررات قمّة الناتو الأخيرة التي لم تقدّم أيّة مقاربة لوقف إطلاق النار أو لتسوية سياسية بل دعت دوله للتورط في التسليح وإرسال منظوماتها الروسية الصنع الى أوكرانيا وتطويع المرتزقة، ليست سوى تعبيراً عن الرغبة الأميركية الدائمة بتوسيع دائرة المواجهة في القارة الأوروبية، ورهاناً على توريط دول وازنة كألمانيا وفرنسا ودول البلطيق في الحرب، وبمعنى أدق إستنساخ نموذج الصراعات اللامتناهية الذي إعتُمد في الشرق الأوسط ونقله إلى أوروبا. وربما رغبت الولايات المتّحدة بتحريك خطوط التماس الهادئة، كمسألة «جزر الكوريل» مع اليابان التي أصبحت خاضعة للسيادة السوفياتية منذ الحرب العالمية الثانية وأصبحت فيما بعد جزءاً من روسيا.
في الشرق الأوسط نموذج لتطويع أميركي من نوع آخر، رداً على إلتزام دول الخليج بإتّفاق «أوبك بلاس» وعدم الإستجابة لزيادة الإنتاج بالرغم من محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزيارة رئيس الوزراء البريطاني للمملكة العربية السعودية واتّصال الرئيس الأميركي جو بايدن بولي العهد الأمير محمد بن سلمان. التمرّد الخليجي الذي لم تألفه الإدارات الأميركية منذ نشوء العلاقة مع السعودية بعد الحرب العالمية الثانية لم يأتِ على خلفيّة موقف مؤيّد للعملية العسكرية الروسية، بل عن انعدام المصداقية بالإدارات الأميركية التي أمّنت الظروف للتمادي الإيراني في تهديد أمن المنطقة العربية واستقرار دولها، فاقتضى الرد. رسائل الإخضاع الأميركية نقلتها المسيّرات الحوثية وصواريخ كروز الإيرانية الى مرافق إقتصادية في المملكة العربية السعودية ومحطات توليد الكهرباء والمنشآت النفطية ومعامل تحليّة المياه. وقد أرادت طهران بدورها القول من خلال الصواريخ أنها كذلك جزء من حلقة الإمداد بالطاقة التي تريدها الولايات المتّحدة. نوع آخر من رسائل الإخضاع كذلك تناوب على تسويقها دبلوماسيون أميركيون وإيرانيون من المشاركين في مباحثات فيينا ومن وزارتيّ الخارجية، كانت عبارة عن إشعارات متلاحقة بإعادة العمل بالإتّفاق النووي الإيراني دون التعرّض لمسألة الصواريخ البالستية والميليشيات الإيرانية، وبمعنى أدق عدم الأخذ بعين الإعتبار بالتهديدات الدائمة لدول المنطقة.
محاولة إحتواء أميركية أخرى للموقف العربي ُسُجّلت بالأمس من خلال «إجتماع النقب» الذي جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظرائه من دولة الإمارات والبحرين والمغرب ومصر وإسرائيل وتركّزت حول مفاوضات فيينا وتبعات الغزو الروسي لأوكرانيا. حاول بلينكن من خلال تنظيم هذا اللقاء إبتلاع إندفاعة إدارته لتوقيع الإتّفاق النووي والبناء على الإتّفاق الإبراهيمي وقوة عملية التطبيع والشراكات في المنطقة لمواجهة التّحديات الأمنية، بما في ذلك تهديدات إيران ووكلائها. فيما ذهب وزير الخارجية الإسرائيلي الى حدود إحراج الوزير الأميركي باعتبار اللقاء صناعة للتاريخ وبناءً لهيكل إقليمي جديد قائم على التقدّم والتكنولوجيا والتسامح الديني والأمن والتعاون الإستخباراتي القادر على مواجهة ايران.
فهل يؤسّس إجتماع النقب لمواجهة إقليمية مع دول المحور الإيراني في المنطقة بما يؤمّن احتواء التمرّد الخليجي لصالح الولايات المتّحدة؟ أم هو زوبعة في فنجان المصالح الأميركية الإيرانية لن تلبث أن تهدأ...