عرض هوكشتاين... هذه تفاصيله!
كتبت كلير شكر في "نداء الوطن":
لا يبدو أنّ لبنان الرسمي بصدد تأليف لجنة سياسية لدراسة العرض الخطيّ المقدّم من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، عبر سفيرة بلاده في لبنان دوروثي شيا، وقد يتمّ الاستعاضة عنها بلجنة تقنية يسمّيها رئيس الجمهورية تتولى التدقيق في العرض قبل اتخاذ الموقف منه وعرضه على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهو العرض الذي سبق للدبلوماسي الأميركي أن قدّمه شفهياً في زيارته الأخيرة إلى بيروت، وقد لاقى يومها وفق المعلومات التي تسربت من لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة، استحساناً وأصداء طيّبة، الأمر الذي اختلف مع خروج بعض مضامين العرض إلى الضوء، وقد تبيّن أنّ هوكشتاين عاد بخطّ حدودي جديد، ولكن هذه المرّة متعرّج.
أمّا لماذا متعرّج، فلأنه وفق المعلومات، لم يلتزم بالخطّ 23، وطبعاً لم يتخطاه جنوباً باتجاه الخطّ 29، الذي قرر لبنان الرسمي اسقاطه، بفعل المواقف العلنية التي خرجت على لسان أكثر من مسؤول لبناني، رغم الرسالة المودعة في الأمم المتحدة، والتي شهد نشرها على الموقع الرسمي لقسم شؤون المحيطات وقانون البحار التباساً غير مسبوق، حيث طارت لأيام، ثم عادت وغطّت من جديد على الموقع المعتمد من الدول للاعتراض بشأن النزاعات الحدودية، مع العلم أنّ بعض الجهات الدولية رأت في الرسالة اللبنانية اسقاطاً رسمياً للخط 29 وبأنّ المناطق المتنازع عليها هي بين الخطين 1 و23.
وتفيد المعلومات، أنّ عرض الوسيط الأميركي تضمّن خطّاً متعرجاً يحمل في طياته تبادلاً غير بريء، لمكامن نفطية موجودة على طول الخطّ 23 المحاذي للبلوكين 8 و9 اللبنانيين. وتقول المعلومات إنّ عملية التبادل المقترحة هي بين مكمن موجود على حدود البلوك 9، أي على الخطّ 23، ولكن شمالاً وليس جنوباً، أي بين الخطين 1 و23، وتقدّر قيمة محتوياته وفق بعض العاملين في هذا الشأن، بنحو 500 مليون دولار إلى مليار دولار، لحوالى 20 سنة من الانتاج، فيما تُعطى إسرائيل مكامن حدودية بين الخطّ 29 و»خطّ هوف» ضمن الرقعة 8 اللبنانية، ولكن تقدّر قيمتها بأكثر من 40 مليار دولار لحوالى 20 سنة من الانتاج. ما يعني عملية تبادل غير عادلة، بين قسم صغير من مكمن موجود على الرقعة 9 بين الخطين 1 و23، ومكامن كبيرة ضمن الرقعة 8، مع العلم أنّ الخطّ المتعرّج المقترح لا يلحظ إلا المكامن المحددة حالياً والموجودة في أعماق مقدّرة، ويتجاهل تلك الموجودة في أعماق غير مقدرة أو محددة حالياً.
ولهذا، لا يبدي لبنان استعجالاً في الردّ على العرض الموضوع على طاولته ويفضّل التأني في تحضير الردّ، حيث تؤكد مصادر سياسية مواكبة أنّ تفاهم المكونات اللبنانية هو شرط أساس لإنهاء هذا الملف.
في المقابل، يشير بعض الخبراء التقنيين الأجانب إلى أنّ الرهان على استعجال إسرائيل على تسريع المفاوضات وإنهاء هذا الملف ربطاً بعمليات الاستكشاف التي تجري في حقل كاريش حيث ينتظر أن ترسل شركة «إنرجين» التي تعمل في الحقل سفينة للإنتاج تُعرَف باسم FPSO، وهو استحقاق بالغ الأهمية بالنسبة للإسرائيلي لأنّ الشركات العاملة في هذا المجال تتجنّب عادة العمل في مناطق متنازع عليها أو غير مستقرّة أمنيّاً... لم يعد في محله أبداً. لا بل ثمة استعجال لإنهاء عمليات الانتاج في كاريش لا سيما في الحقول المتداخلة مع لبنان، خلال عشر سنوات.
وفق هؤلاء، فإنّ إسرائيل وضعت ملف المكامن الحدودية على النار من جديد، حيث سرّعت عملية التفاوض مع شركات عالمية، منها شركة «انرجين» بشأن البلوك 72 المقابل للبلوك 9، وهي تتحضّر لإطلاق دورة تراخيص جديدة في الرقعة الملاصقة للرقعة 8 اللبنانية والتي تعتبر حقولها امتداداً جيولوجيا لحقول لافياتان وتانين، التي تستحوذ على حوالى 22 إلى 25 تريليون قدم مكعب أي حوالى 70% من المخزون الاسرائيلي، وهي تتفاوض بهذا الشأن مع شركات أميركية وأوروبية كانت تتردد في العمل في المنطقة، وقد تخلت راهناً عن محاذيرها.
بالنتيجة، إنّ الرسالة المودعة في الأمم المتحدة لم تعد تشكل أي عائق أو خشية من نزاعات بالنسبة للشركات العالمية العاملة في هذا الحقل، طالما أنّ المسؤولين اللبنانيين أعلنوا صراحة أنّ الخطّ 23 هو خطّ التفاوض ما يعني تخلياً صريحاً وواضحاً عن الخطّ 29، مع العلم أن الرسالة لم تذكر الخطّ 29 بالاسم، لكنّها طالبت بـ»الامتناع عن أيّ نشاط في المناطق المتنازع عليها»، محذّرةً «من رفع مطالب لاحقة ومراجعة حدود منطقته الاقتصادية الخالصة كما تنصّ المادة 3 من المرسوم 6433 إذا فشلت المفاوضات غير المباشرة في تحقيق التسوية التفاوضية».