محاكاة دولية لمستقبل لبنان بعد فيينا: الحزب سيزداد قوّةً
كتب قاسم قصير في اساس ميديا:
بدأت عدّة مؤسّسات ومراكز أبحاث دولية في بيروت وأوروبا وواشنطن تجري دراسات مستقبلية، أو ما يُسمّى في الدراسات الاستشرافية المستقبلية "محاكاة عمليّة" (stimulation)، للتطوّرات التي قد يشهدها لبنان والمنطقة في المرحلة المقبلة في ضوء نتائج مفاوضات فيينا حول الملفّ النووي الإيراني، وما بعد الانتخابات النيابية المقبلة والتوقّعات والنتائج والتداعيات التي قد تحصل بناءً على هذه النتائج المفترضة.
فماذا في جعبة هذه المؤسّسات والمراكز من معطيات واحتمالات متوقّعة؟ وماذا عن تأثير كلّ ذلك على الأوضاع في لبنان والمخاطر المتوقّعة والناتجة عن هذه التطوّرات؟
بداية ماذا لدى هذه المؤسسات من معطيات على صعيد المفاوضات في فيينا والملفّ النووي الإيراني وتأثيراتها المتوقّعة؟
اتفاق فيينا اقترب
توصّلت إحدى المؤسّسات الدولية المهمّة المعنيّة بالملفّ الإيراني، من خلال بعض الدراسات التي أجرتها، إلى خلاصة أساسية مفادها أنّ خيار التوصّل إلى تفاهم على الملفّ النووي هو الأقوى والأكثر ترجيحاً، وأنّ الأمور ستُحسم في الأيام الآتية وقبل نهاية شهر شباط. لكنّ التوصّل إلى هذا الاتفاق لا يعني أنّ المخاطر على لبنان والمنطقة ستنتهي. فقد يكون صحيحاً أنّ الاتفاق سيكون له دور أساسي في تخفيف التوتّرات بين إيران والغرب والعديد من الدول العربية، وهذا قد ينعكس إيجاباً على الوضع اللبناني في حال أرادت إيران إرسال رسائل إيجابية عن استعدادها للتعاون مع الأوروبيين والأميركيين والفاتيكان وبعض الدول العربية لمعالجة الأزمة اللبنانية ومن أجل الإعداد لمؤتمر دولي حول لبنان بعد الانتخابات النيابية، والمساعدة في إبعاد لبنان عن الصراعات في المنطقة.
لكنّ المسؤولين في هذه المؤسسات متخوّفون من ردود الفعل الإسرائيلية على توقيع الاتفاق، ومن سعي إسرائيل إلى تخريب نتائجه عبر القيام بسلسلة هجمات أمنيّة أو عسكرية في لبنان وسوريا وضدّ المنشآت الإيرانية النووية والاستراتيجية. الأمر الذي قد يدفع إيران وحزب الله وحلفاءهما للردّ على هذه الاعتداءات وأخذ المنطقة إلى مواجهة جديدة ومفتوحة.
في الوقت نفسه هناك أطراف قويّة في الكونغرس الأميركي وبعض المؤسسات الأميركية الفاعلة وفي الحزب الجمهوري قد تنشط لتعطيل مفاعيل الاتفاق ومواجهته، مُعيدةً التوتّر إلى المنطقة مجدّداً.
أمّا في حال عدم التوصّل إلى اتفاق على الملفّ النووي الإيراني، وهذا احتمال قائم على الرغم من أنّه ضعيف جدّاً، فهذا يعني تلقائيّاً الذهاب إلى توتّر في لبنان والمنطقة حيث ستكون خيارات التصعيد مفتوحة على كلّ الاحتمالات.
3 سيناريوهات
بالنسبة إلى الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان، فقد أجرت إحدى المؤسسات الأوروبية الناشطة في بيروت محاكاة عمليّة لنتائج الانتخابات والتوقّعات المحتملة، داعيةً ثلاثين شخصية لبنانية تمثّل معظم الأطراف اللبنانية وتعبّر أيضاً عن وجهات نظر إيران والسعودية والاتحاد الأوروبي وأميركا، ووضعت هذه المؤسسة ثلاثة سيناريوهات:
الأوّل: فوز قوى التغيير والمعارضة بالأغلبية البرلمانية، بحيث تكون قادرة على التحكّم بمسار التطوّرات بعد الانتخابات.
الثاني: فوز حزب الله وحلفائه بالأكثرية النيابية، واستمرار التحالف القائم اليوم بالحكم مع تعزيز دوره وموقعه السياسي والشعبي والنيابي.
الثالث: عدم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وعدم التمديد للبرلمان الحالي، وانعكاس ذلك على دور الحكومة والانتخابات الرئاسية، مع احتمال حصول فراغ دستوري وسياسي والذهاب إلى المزيد من الفوضى والفراغ، الأمر الذي قد يفرض الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي جديد.
في ضوء هذه السيناريوهات الثلاثة جرى حوار مطوّل بين الشخصيات المشاركة في هذه المحاكاة الدولية، ومن خلال هذه المناقشات تمّ ترجيح الخيار الثاني، وهو الأقوى، الذي يعطي شرعية جديدة للحزب وحلفائه، وسيفرض تحدّيات جديدة على لبنان والدول العربية والقوى الإقليمية والدولية، خصوصاً إذا تزامن ذلك مع التوصّل إلى اتفاق على الملف النووي الإيراني سيزيد نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة، مع احتمال عودة دور سوريا بدعم روسي وأميركي وأوروبي وعربي لإحداث توازن مع الدور الإيراني، وكلّ ذلك سيُدخل لبنان في مرحلة جديدة.
أمّا في حال فوز قوى التغيير والأحزاب المعارضة وحصولها على الأكثرية النيابية، فإنّها ستواجه تحدّيات مختلفة، وخصوصاً على صعيد التعاطي مع الاستحقاقات المقبلة، وكيفيّة التفاهم أو الحوار مع الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، ولا سيّما في حال فوز هذا الثنائي بكلّ المقاعد الشيعية، وهو ما سيفرض مشاركته في الحكم وإدارة المرحلة المقبلة.
وكان واضحاً من خلال النقاش أنّ قوى التغيير والأحزاب المعارضة لا تملك برنامجاً واضحاً وحاسماً وموحّداً، لذلك ستواجه تحدّيات كبيرة في المرحلة المقبلة، سواء فازت بالأكثرية أو تحوّلت إلى كتلة معارِضة.
هذه المعطيات والمحاكاة الدولية للتطوّرات في لبنان والمنطقة في المرحلة المقبلة، تؤكّد أنّنا ذاهبون إلى مرحلة مفتوحة على كلّ الاحتمالات والمخاطر. ما يفرض حواراً لبنانياً مستمرّاً لمواجهتها وللعمل على إنقاذ لبنان، وإلا فلن تكون الصورة إيجابيّة أبداً.