"الانسحاب المرفوض".. هل يتمرّد الشمال على قرار الحريري؟
كتب سامر زريق في موقع 'اساس":
هل يخالف المستقبليون في الشمال وعاصمته طرابلس قرار الرئيس سعد الحريري بالانسحاب من الانتخابات فيخوضوها ترشّحاً واقتراعاً وتحالفاتٍ؟ طَرَح هذا التساؤل نفسه بقوّة مع تصاعد التصريحات من قيادات المستقبل في الشمال، وتبرُّؤ بعضهم في مجالسه الخاصة من أن يكون قد انتسب يوماً إلى التيار تنظيميّاً.
السيناريوهات والتسريبات شيء ولحظة الحقيقة شيء آخر تماماً. تُلخّص هذه الجملة حال تيار المستقبل وجمهوره. فعلى الرغم من التمهيد المُتدرّج منذ أشهر لقرار عزوف الرئيس سعد الحريري عن الترشّح في الانتخابات النيابية المقبلة، إلّا أنّه مع اقتراب لحظة إعلان الحريري عن قراره النهائي اليوم الإثنين في مؤتمر صحافي، سيطرت حال من الإحباط الممزوجة بالغضب على جمهور الحريري. هي حال يمكن ملاحظتها بلا كثير عناء على حسابات المناصرين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تظهر الصدمة جليّة وواضحة.
عمليّاً الجمهور غير مصدّق أنّ الحريري سينسحب من الحلبة السياسية، والأصعب أنّه لا يريد أن يصدّق أو أن يسمع هذا القرار. ويشمل ذلك أيضاً نواب ومسؤولي المستقبل الذين بغالبيّتهم يرفضون قرار الرئيس الحريري.
ما هو محسوم أنّ القرار اُتُّخذ، والحريري سينأى بنفسه عن النزال الانتخابي. بيد أنّ النقاش يدور حول إمكان مشاركة تيار المستقبل في الانتخابات. فالحريري يبدو أنّه اتّخذ قراراً مسبقاً بعدم مشاركة تيار المستقبل في الانتخابات، لكنّه لم ينطقها صراحة أمام نواب كتلة المستقبل وهيئة الرئاسة، بل عمد إلى طرح أسئلة وسيناريوهات عديدة تؤدّي كلّها إلى النقطة عينها.
ثمّة حالة رفض واسعة لقرار الحريري بتغييب "المستقبل" عن الاستحقاق النيابي، عبّر عنها نواب الكتلة وهيئة الرئاسة. ولا يقتصر الأمر على التعبير فقط، فهناك معلومات تتعلّق باتّخاذ عدد من مسؤولي المستقبل قراراً بخوض الانتخابات، مهما كان قرار الرئيس سعد الحريري، فتيّار المستقبل يجب أن يبقى في الميدان. يقول أصحاب هذا الرأي إنّ الحريري حرّ في خياراته، لكنّه ليس كذلك أبداً في ما يخصّ مصير التيار وجمهوره الواسع والمنتشر على كلّ الأراضي اللبنانية.
يضجّ الشارع بروايات كثيرة، من أبرزها الحديث عن نواة لجبهة مستقبلية شمالية عمادها الصقور الزرق، أصحاب الخطاب السيادي العالي السقف، مثل الدكتور مصطفى علوش والدكتور أحمد فتفت.
يقول نائب رئيس تيار المستقبل الدكتور مصطفى علوش في حديث لـ"أساس" إنّ "عزوف الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل عن الترشّح للانتخابات النيابية شيء، والانسحاب من الحياة السياسية شيء آخر تماماً. تيار المستقبل لن ينكفئ عن الساحة السياسية مهما كان قرار الرئيس سعد الحريري".
وعن ترشّحه في الانتخابات النيابية المقبلة، يقول الدكتور علوش إنّ "القرار غير محسوم حتّى الساعة، ويجب انتظار مفاعيل قرار الحريري، وما سينتج عنه من حراك داخل تيار المستقبل ليُبنى على الشيء مقتضاه"، فهو بالتأكيد لن يترشّح بشكل منفرد من دون برنامج سياسي واضح، وقطعاً لن يترشّح إلّا تحت راية المستقبل.
وعن إمكانية أن يجتمع مع وزير العدل الأسبق اللواء أشرف ريفي في لائحة واحدة، يقول الدكتور علوش لـ"أساس" إنّ "ريفي لديه خياراته الخاصة، وهو حسبما يبدو أقرب إلى التحالف مع القوات، في حين أنّ المستقبل لم يحسم خياراته بعد، وما هو محسوم أنّ تيار المستقبل باق".
الخيار الثوريّ
ليس الأمر تحدّياً للحريري أو تمرّداً على قراراته، فقد سبق أن كشف الدكتور علوش لـ"أساس" في حوار مع الزميلة مارلين خليفة، في 12 كانون الأول الماضي، عن "حاجة تيار المستقبل إلى "تدبير إبداعي" أو "خيار ثوري" على مستوى القيادات، وخصوصاً تلك الشخصيات المحترمة في بيروت والبقاع وعكار وطرابلس التي تمّ إهمالها، والتي لم تلوّث نفسها بالفساد. وهذه الحال الثورية يجب أن تشمل التيار بمستوياته كلّها، مع ضرورة إخراج المنطق العائلي، وفي الوقت ذاته تظهير خيار سياسي جديد يعيد شيئاً من رونق 14 آذار ونضالاتها، ولا مانع من البدء من نقطة الصفر".
تحتاج القضية، برأي الدكتور علوش، إلى "موقف نضالي حاسم ضدّ السلاح غير الشرعي، يُلزم الآخرين بعرض مساعدتهم علينا. وهذا الموقف يجب تحويله إلى شعار سياسي وانتخابي، ثمّ إعادة جمع القوى الموجودة على الأرض، والخروج من حال الفراغ السياسي "السيادي"، وإعادة تزخيم الحركة النضالية والتحالف مع القوى السياسية".
التيّار السياديّ
بدوره النائب السابق الدكتور أحمد فتفت ليس من النوع الذي يُسلِّم بالهزيمة أمام الحزب وهيمنته على الحياة السياسية في لبنان، وهو الذي لم ينكفئ سياسياً على الرغم من اختيار الحريري لنجله سامي عوضاً عنه في الانتخابات الماضية عام 2018 من أجل إلزامه بالتقاعد السياسي.
يشير الدكتور فتفت إلى أنّ هناك مسعى إلى توحيد القراءة السياسية وتوحيد عنوان الانتخابات، فـ"إمّا نخوضها أحراراً لبنانيين من أجل رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، أو لا فائدة منها".
ويضيف الدكتور فتفت في حديث لـ"أساس" أنّه يدعم ترشيح أيّ شخصية تحمل الشعارات التي يتبنّاها "المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان"، وتؤمن بالشرعيّات الثلاث: الدستور والطائف والقرارات الدولية 1559 و1680 و1701. وهو قطعاً غير مرشّح في الانتخابات المقبلة. ويسرّ لـ"أساس" قائلاً إنّه دائماً ما كان يهوى الصف الثاني ولا يزال.
أمّا عن نجله سامي وترشيحه في الانتخابات فيشير إلى أنّه لا يملك معطيات حول هذا الموضوع، وينتظر قرار الرئيس الحريري الأخير، لافتاً إلى وجود عرف في عائلتهم يقتضي التشاور مع الناس أو القاعدة الانتخابية الصلبة في المنعطفات الدقيقة والمصيرية، وهو ما فعله سابقاً عند رفضه التمديد لإميل لحود، وفي عدّة محطات أخرى، ولا سيّما عدم انتخاب الرئيس ميشال عون. وبالتأكيد سيقوم سامي بذلك قبل اتّخاذ قراره النهائي.
مقاطعة سنّيّة
من جانبه، يوضح النائب سامي فتفت في حديث لـ"أساس" أنّ "قرار المشاركة والترشّح في الانتخابات لا يزال بعيداً عن الحسم"، ويرى أنّ "الأمور لن تُحسم، سواء بالنسبة إلى "المستقبل" أو باقي القوى السياسية، إلّا في الأيام الأخيرة قبل انتهاء مهلة تقديم الترشيحات. وأيّ كلام عن لوائح وتحالفات سابق كثيراً لأوانه، ولا يوجد أيّ شيء ثابت أو قرار فعليّ مُتّخذ ومبيّت، فالأمور جدّ ضبابية".
ويعتبر النائب سامي فتفت أنّه "حتى لو أعلن الرئيس الحريري عزوفه رسمياً يوم الإثنين، وعدم مشاركة تيار المستقبل في الاستحقاق الانتخابي، إلا أنّ ذلك لن يؤدّي إلى حسم الترشيحات أو الاصطفافات، بل على العكس ربّما يصبح العزوف مثل كرة الثلج ويأخذ طابع المقاطعة السنّيّة للانتخابات"، لافتاً في هذا الإطار إلى "وجود حركة سفراء قوية في بيت الوسط تطغى على حركة نواب ومسؤولي تيار المستقبل".
فهل يؤدّي قرار عزوف الرئيس سعد الحريري عن خوض الانتخابات النيابية إلى توحيد القراءة السياسية لتيار المستقبل والسياديين من معارضي هيمنة الحزب، وتشكيل لائحة سيادية في طرابلس تجمع الدكتور مصطفى علوش وكريم محمد كبارة وأشرف ريفي وتتحالف مع القوات اللبنانية ومرشّحها في طرابلس جاد دميان، بالإضافة إلى سامي فتفت في الضنّية؟ وما هو موقع بهاء الحريري من كلّ ذلك؟ أم يتحوّل العزوف عن الترشّح إلى قرار سياسي سنّيّ بمقاطعة الانتخابات، ولا سيّما أنّ الرئيس تمام سلام استبق قرار الحريري المتوقّع بقرار عزوفه هو الآخر، مع وجود معلومات عن أنّ لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التوجّه نفسه، بالإضافة إلى بعض النواب السنّة البارزين؟