فوبيا النازحين تفرمل الحس الإنساني في البيئة الحاضنة... داتا بالأسماء والهويات قبل وقوع المحظور!
جوانا فرحات
المركزية- أكثر من مليون و500 ألف شخص غالبيتهم من الطائفة الشيعية نزحوا إلى مناطق جبل لبنان والشمال وتحديدا إلى بيئة كانت حتى اللحظة التي بدأت فيها عملية النزوح "خصما" سياسيا لهم ، او للحزب الذي يمثلهم. هذا النزوح فرض وضعاً معقدا على الصعيدين الأمني والإجتماعي اتسم في البداية بالتعاون والتضامن لكن منذ استهداف اسرائيل شقة في الكولا في العاصمة بيروت، بحجة اغتيال مسؤولين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بدأت "النقزة" من النازحين. وتغيرت النظرة نحو "الجيران" الجدد الذين يسكنون في جوار بيوت آمنة ومأهولة بالسكان.ولم يعد يُنظرالى النازحين إلا كبنك أهداف مطارد من آلة القتل الإسرائيلية.
الأكيد أن غالبية الشعب اللبناني لا يزال على موقفه الوطني المعارض للحرب لا سيما أنه دخلها بقرار "متفرّد"من حزب الله وتحت عنوان "إسناد غزة" ، إلا أن هذا لم يمنعه من التمييز بين موقفه من الحزب وحسّه الإنساني والوطني مع النازحين، لناحية استقبالهم في مراكز إيواء أو تأجيرهم شققاً في مختلف المناطق اللبنانية. وإذا سلمنا مع بعض المحللين القائلين بأن استراتيجية "فوبيا النازحين"، التي تعمل عليها اسرائيل، تهدف إلى توسيع نطاق الحرب وتبرير ضرب مناطق لبنانية غير ذات أغلبية شيعية، ما قد يخلق نزاعات لبنانية داخلية تحتاجها اسرائيل وتسعى إليها، إلا أن الواقع ينسجم إلى حد ما مع فوبيا النازحين خصوصا أن هذه البيئات الحاضنة في غالبيتها ضد إقحام لبنان في الحرب وضد سلاح حزب الله وخياراته السياسية، وهي لن تسرّ بطبيعة الحال، بدفع ثمن تلك الحرب.
يشير مصدر عسكري إلى أن مسألة التأكد من هوية النازحين وتحديدا الوافدين من بيئة حاضنة لحزب الله ضرورية، وهي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الدولة بكافة أجهزتها الأمنية والمدنية والبلديات والمخاتير واصحاب الشقق التي يعمل أصحابها على تأجيرها من باب الحس الإنساني أو للإستفادة ماديا".
لكن هل يمكن الرهان على الأجهزة الأمنية بعدما أثبتت عمليات الإغتيال التي طالت مسؤولين أمنيين في حزب الله أنهم كانوا مجهولي الهوية حتى لحظة الإعلان عن هوياتهم بعد الإغتيال؟
"هنا بيت القصيد" يقول المصدر، "وعليه لا بد من التسليم لمشيئة الأقدار أوالإتكال على الحدس الإنساني أو التوقف عن استقبال النازحين، لأن الوقائع أثبتت أن لا أحد يملك داتا بأسماء المسؤولين في حزب الله إلا إسرائيل. وهنا لا بد من الإعتراف بأن المسؤولية تقع على الدولة التي سمحت بقيام تنظيم عسكري وأمني يتلقى تعليماته من إيران لكن بهوية لبنانية".
مناطق إيواء النزوح بدورها، كانت محطّ استهداف إسرائيليّ، ما جعل الخوف من استقبال النازحين يتصاعد، سيما بعد استهداف نازحين في كيفون ومركز إيواء في الوردانية. أما الخوف من اغتيالات لمسؤولين يختبئون في شقق سكنية، فارتفع بعد استهداف اسرائيل لشقة في الكولا ووصل إلى ذروته مع استهداف مبان في رأس النبع وبرج أبي حيدر وصولا إلى استهداف مبنى في بلدة المعيصرة الكسروانية ودير بللا في البترون وأمس في أيطو حيث كانت الصدمة على المستويين النفسي والأمني لدى سكان البلدة خصوصا بعدما وصل عدد القتلى إلى 23 شخصا إضافة إلى البيئات الحاضنة في مناطق كسروان وجبل لبنان والشمال.
المؤشر الأول للمشهد الأمني المستجد بروز الصراع والفتنة في الشارع"لكن يمكن تداركه عندما تكون هناك دولة وأجهزة أمنية قادرة على تحمل مسؤولية أمن المواطن والنازحين على السواء وتوزيع العمل على الجهات المعنية" يقول كبير الباحثين في "أمم" للتوثيق والأبحاث عباس هدلا.
ففي ما يتعلق بمسؤولية المالك "عليه أولا أن يتحقق من هوية الأفراد والعائلات النازحة قبل أن يتم تأجيرها والتعرف إلى "بروفايل" الأشخاص ومراجعة الجهات البلدية والأمنية للتأكد من عدم وجود أي شبهة أمنية أو انتماء أحدهم إلى حزب الله. وردا على السؤال حول مدى قدرة الأجهزة الأمنية على التعرف إلى النازحين ومسؤولياتهم الأمنية، في حال وُجدت، يجيب هدلا" إذا ثبت أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لا تملك معلومات عن كافة الأفراد الموجودين على الأراضي اللبنانية فهذا يعني أنها سلطة متواطئة وفاشلة" ويلفت إلى الدور الذي يجب أن تلعبه الأحزاب لجهة الضغط على الحكومة للتحرك لحماية النازحين وأيضا المواطنين الذي استقبلوهم في بيئة حاضنة وآمنة.
قد تكون ذريعة الدولة عدم وجود جهاز بشري كافٍ لإجراء الإحصاء وتجهيز داتا عن النازحين في البيئات الحاضنة. "عذر أقبح من ذنب" ويسأل هدلا:" لماذا لا يُصار إلى استدعاء الإحتياط والعسكريين المتقاعدين والموظفين المتقاعدين وتوكلهم مهام إجراء المسح الميداني الشامل؟ ما حصل في بلدة أيطو أمس مؤشر خطير ولا نعلم أي بلدة حاضنة تأوي نازحين ستكون على اللائحة غدا. المطلوب إجراء مسح دقيق وشامل. وفي حال ثبُتَ وجود نازحين يملكون صفة أمنية لدى حزب الله يجب التبليغ عنهم وترحيلهم مع أفراد عائلاتهم إلى سوريا أو العراق أو إيران وهم قادرون على ذلك بدلا من البقاء في بيئة غير صديقة. وأي تقاعس من قبل الدولة أو الفئة المسيطرة على هذه الدولة ومؤسساتها في تنفيذ هذا العمل الملح يعني أن هناك تواطوءا لتنفيذ مشروع الفتنة على الأرض".
خارطة عمل لا تحتاج إلا إلى القليل من العمل والكثير من الحكمة والضمير "هذا إذا بقي لدى السلطة ضمير. أما إذا بقيت في موقع المتفرج فهذا يمهد إلى الإرتقاء لموقع المتآمر على اللبنانيين. وهذا أخطر ما يكون لأنها بذلك تحث المواطنين على التوجه لإدارة أمورهم بأنفسهم. وآنذاك نكون دخلنا في إشكالية الفتنة والتقسيم".