رسائل "عماد 4" أخطرها باتجاه الداخل: "الإستراتيجية الدفاعية" ومثيلاتها الى "وثائق المكتبة الوطنية"!؟
طوني جبران
المركزية - منذ ان نشر الإعلام الحربي التابع لـ "حزب الله" فيلمه القصير المصور داخل أنفاق صخرية يظهر منشأة لتخزين وإطلاق الصواريخ تحمل اسم "عماد 4" ويحمل عنوان "جبالنا خزائننا"، انطلقت مجموعة من ردات الفعل الاقليمية والدولية كما الداخلية، بالنظر الى حجم الرسائل التي قصدها الحزب مباشرة ومواربة، أو تلك التي تسمح بالتوسع بتوقعها من جهات وبعيون مختلفة.
وعليه، تعترف مراجع سياسية وديبلوماسية واستخبارية في حديثها الى "المركزية" انه كان من الطبيعي أن تنتهي مثل هذه "الخبطة" الاعلامية التي رفعت منسوب "الحرب النفسية" التي يتقنها الحزب الى الذروة، بإطلاق العديد من الرسائل في أكثر من اتجاه سواء بالنسبة الى الداخل اللبناني ونظيره الاسرائيلي كما بالنسبة الى العالم الخارجي وتحديدا في العواصم الساعية الى خفض التوتر ومنع توسع الحرب في المنطقة على خلفية ترتيب اتفاق لوقف نار مؤقت يسهل عملية تبادل الاسرى والمعتقلين قبل ان ينتهي إلى وقف نار شامل يؤدي تلقائيا الى "اليوم التالي" للحرب.
وبالاستناد الى ما تقدم، فقد عكست الظروف التي رافقت بث هذا الفيلم، في توقيته وشكله ومضمونه، وما يمكن ان يؤديه، مجموعة من الملاحظات، هذه عينة منها:
- في الشكل أوحى الفيلم انه يظهر قدرات صاروخية وتسليحية كبيرة للحزب وترسانة لا تمتلكها سوى جيوش كبرى وقد اعدت لها أنفاق في مناطق لبنانية مختلفة تمتد على مساحة لبنان. ذلك ان بعضا من هذه الصواريخ لا يمكن استخدامها إن كان الهدف منها الأراضي الفلسطينية المحتلة من جنوب لبنان وانما من مناطق بعيدة تجاور تلال وجرود بعلبك والهرمل وأخرى بعيدة عن الحدود الجنوبية بما يزيد على 40 أو 50 كيلومترا في مناطق وضع الحزب يده عليها بطريقة المصادرة وحرم مالكيها من اللبنانيين القدرة على دخولها واستثمارها منذ فترة طويلة وهي أحيت في أذهان اللبنانيين منذ بث الفيلم أكثر من حادثة وجريمة على الأرض وفي الجو .
أما في المضمون، فلم يحمل الفيلم أي رسالة جديدة، لطالما هدد الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله بامتلاك عشرات آلاف الصواريخ التقليدية منذ العام 2006 قبل ان يتسلم الصواريخ البالستية الدقيقة في السنوات الاخيرة، وهي تهدد إسرائيل بمساحتها الجغرافية كاملة من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب بما فيها من منشآت عسكرية وصناعية كيماوية وتكنولوجية متطورة تمكن من استطلاع البعض منها. كما بالنسبة الى المطارات الحربية والقواعد التي كانت حتى الأمس القريب سرية بالنسبة الى الكثير من القوى الاقليمية والدولية. وقد سبق لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ان تحدث عنها من منابر أممية ودولية مختلفة ولم ينف المسؤولون اللبنانيون سوى انها ليست تحت المنشآت الرياضية ولا في مطار بيروت وفي حرمه الجغرافي من دون الإشارة الى المناطق الجردية التي يسيطر عليها الحزب.
-اما في الاهداف فلم يعد هناك سر، ان أي حرب شاملة تلغي المسافات التي تحدثت عنها "قواعد الاشتباك" المعمول بها لتسمح للحزب باستهداف مناطق فلسطينية محتلة في العمق الجغرافي حتى شواطئ إيلات الجنوبية وصحراء النقب كما في الجولان المحتل وهو امر شملته التهديدات التي أطلقت في الفترة الأخيرة. وهو أمر لم يعد خافيا على أحد لا في الداخل ولا في الخارج كما في العالم أجمع الساعي الى خفض التوتر ومنع الحرب الشاملة متدخلا في ادق التفاصيل من دون القدرة على إجراء المقاربة لمرحلة ما بعد الحرب التي لا بد ان تكون لها نهاية مهما طالت الحرب التي تجاوزت منتصف شهرها الحادي عشر.
وتأسيسا على ما تقدم، تمضي المراجع عينها في قراءة بعض الرسائل التي ظهرت في الساعات الاولى لبث الفيلم فوجدت ان اخطرها ظهر في الجبهتين الداخلية الاسرائيلية واللبنانية وهذه ابرز المؤشرات:
على مستوى الجبهة الداخلية لاسرائيل فقد أمعن الإعلام الإسرائيلي المعارض لنتنياهو في البناء عليها، محذرا من مخاطرها ليزيد من نسبة الضغوط على نتنياهو من اجل الاسراع بالتوافق على وقف إطلاق النار على انه بات خطوة ملحة وضرورية بعدما دمر الجيش ما يفيض على 70 % من قدرات حماس العسكرية والقضاء على ما يقارب نصف قدرتها البشرية العسكرية وعدد لا يستهان من قادة المحاور والمناطق في القطاع وأن الحاجة ماسة لاستعادة الاسرى بعدما باتوا من ضحايا أي عملية عسكرية يمكن ان تقوم في القطاع بعدما سقطت نظريات اخراجهم من القطاع.
-أما على مستوى الجبهة اللبنانية الداخلية، فقد ترك الفيلم ردات فعل تفوق دقائقه الاربعة وثوانيه الـ 38 التي استعرضت قدرات الحزب الصاروخية المتنوعة على وقع مؤثرات صوتية رافقت الاشارة الى حجم وعمق النفق الذي يتسع لمجموعة من الشاحنات التي تحمل قواعد إطلاق مجموعة من الصواريخ البعيدة المدى، الدقيقة منها كما التقليدية وراجمات الصواريخ المعدلة وفق الانظمة الايرانية التي تفخر بتقديمها الى الدول الصديقة لها بعدما تحولت كدولة تعزز قدرات أكبر الجيوش كالجيش الروسي في غزوه الاراضي الاوكرانية، بالإضافة إلى المسيرات المتنوعة التي فعلت فعلها في تطورات الحرب الاوكرانية في منافسة مثيلاتها التركية.
والى هذه النتائج لا يخفى على أحد ما شكله الفيلم من مظاهر الانقضاض على كيان الدولة اللبنانية وسلطاتها ومؤسساتها الدستورية والسياسية والعسكرية التي باتت تقاس بميزان مقومات أي دولة "فاشلة" او "مفقودة"، الى درجة بات من المستحيل الحديث بعد اليوم عن النية بإحياء مؤسسات الدولة وتقوية جيشها والقوى الامنية الاخرى، او الحديث عن "الاستراتيجية الدفاعية" التي يجب ان تحفظ الدراسات الخاصة بها منذ طاولة حوار ساحة النجمة عام 2006 الى جانب الدراسات الموثقة في المكتبة الوطنية والأبحاث الوطنية الاخرى، ولا سيما منها تلك التي انتهت اليها طاولة الحوار في قصر بعبدا بما سمي "إعلان بعبدا" الذي نعاه الحزب قبل ان يجف حبره. كما بالنسبة الى مشاريع الاصلاحات الادارية والمالية التي تعد على طريق التعافي والنهوض ولم تر النور بعد.