نتانياهو أم السنوار.. من يُعرقل مساعي وقف إطلاق النار في غزة؟
بعد انتهاء جولة مفاوضات الدوحة قال الرئيس الأميركي جو بايدن أننا "اقتربنا من الاتفاق لكننا لم ننجزه بعد". ثم أرسل وزير خارجيته أنتوني بلينكن إلى إسرائيل لـ"مواصلة الجهود الدبلوماسية المكثفة".
وفي ختام مفاوضات الدوحة، اعتبر بيان مشترك بين الولايات المتحدة ومصر وقطر، بأن "الطريق أصبح ممهداً لتحقيق نتيجة (اتفاق)، وإنقاذ الأرواح، وتقديم الإغاثة لشعب غزة، وتهدئة التوترات الإقليمية". ويَعِد البيان المشترك باجتماع لـ " كبار المسؤولين من حكوماتنا مرة أخرى في القاهرة قبل نهاية الأسبوع المقبل".
فهل يُبصر الاتفاق النور الأسبوع المُقبِل؟ ومن يعرقل الوصول إلى اتفاق: نتانياهو أم السنوار؟
الخبيران الأميركيان، جويل روبن وريتشارد مينيتر، ناقشا هذا الموضوع في برنامج "عاصمة القرار" على قناة الحرة. عَمِل جويل روبن كنائب مساعد وزير الخارجية الأميركية سابقا، أما ريتشارد مينيتر، فهو كاتب ورئيس "مؤسسة زينغر الإخبارية". وشارك في جزء من الحوار من القدس، الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور.
يعتقد مارك إسبر، وزير الدفاع الأميركي السابق، أن "الفجوة التفاوضية بين حماس وإسرائيل لا تزال كبيرة جدا، بحيث لا يمكن جسرها، مما يعني أنه من المرجح أن تتوقف المحادثات مرة أخرى. رغم أنه من المرجح أن يعتمد أي انتقام إيراني على التقدم في محادثات وقف إطلاق النار. وهذا يسمح لطهران بتعليق العمل العسكري، الذي قد يثير صراعا إقليميا كبيرا، لا تريده إيران وحزب الله".
يقول ريتشارد مينيتر إن "من غير المحتمل أن تنجح إدارة بايدن بأي طريقة في التوفيق بين إسرائيل وحماس.. فالتسوية بينهما غير ممكنة لأسباب داخلية لإسرائيل وحماس. فشعبية نتانياهو في إسرائيل مرتفعة وفق الاستطلاعات – بخلاف شعبيته في واشنطن. أما رأي سكان غزة غير مهم للأسف، المهم هو رأي يحيى السنوار المدعوم من إيران، والذي لا يريد أن يستسلم رغم كل الخسائر في صفوف حماس وفي سكان غزة".
يتفق جويل روبن مع ريتشار مينيتر على أن "الحرب تحظى بشعبية في إسرائيل، ولكن الشعب الإسرائيلي يريد الإفراج عن الرهائن.. هناك ضغط كبير من إدارة بايدن لجعل إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار يُمكّن من الافراج عن الرهائن. والكثيرون في المؤسسة الأمنية في إسرائيل وعائلات الأسرى يضغطون بهذا الاتجاه أيضا. لكن هناك شخصا واحدا يسيطر على حماس، هو يحيى السنوار، الذي لا يهتم كثيرا بحياة الفلسطينيين في غزة، وهذا يُصعِّب الوصول إلى اتفاق. لذلك على الدول العربية الضغط على حماس للقبول بوقف النار".
من المُعرقِل الأكبر للاتفاق: نتانياهو أم السِنوار؟
نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطلعة أن "أعضاء في الفريق التفاوضي الإسرائيلي فَكَّروا في الاستقالة، بسبب مماطلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ومحاولته إفشال المفاوضات وتسريب تفاصيلها".
بالمقابل، قال مسؤولون مصريون للصحيفة إن "السنوار يعتقد أن حماس لديها اليد العليا حاليا في المفاوضات". وللتذكير، فإن يحيى السنوار قال مؤخرا في رسالته للوسطاء العرب إن "الجولة الأخيرة من المحادثات هي خدعة" لصالح إسرائيل.
وعنونت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلا عن مسؤولين أميركيين، أن "إسرائيل وصلت إلى أقصى ما يمكنها تحقيقه في غزة. وأن استمرار القصف يؤذي المدنيين في غزة لا حماس، التي تضاءلت احتمالات إضعافها(حماس) بشكل أكبر".
وفي السياق نفسه، نقل موقع "كان" التابع لهيئة البث الإسرائيلية، عن مصادر رفيعة في الجيش الإسرائيلي، أن نشاطاته انتهت في قطاع غزة، وأن المسؤولين الأمنيين يؤمنون أن "الوقت قد حان" لصفقة من أجل الإفراج عن الرهائن.
وأشارت المصادر إلى أن الجيش الإسرائيلي "يمكنه الدخول إلى غزة مجددا في حال حصوله على معلومات استخباراتية جديدة. وأن "لواء رفح" التابع لحماس لم يعد موجودا تقريبا، وقد تمَّ تفكيك الوحدات المسلحة التابعة لحماس" في غزة.
ويعتقد خبراء في إسرائيل أن نتانياهو لن يوافق على اتفاق وقف النار في غزة، لأن ذلك سيدفع بن غفير وسموتريتش إلى الانسحاب من الحكومة، فينفرط عقدها. فيما يعتقد خبراء آخرون إنه يمكن لنتانياهو الموافقة على وقف النار الآن، أثناء العطلة الصيفية للكنيست، الذي لن يتمكن من الاجتماع لسحب الثقة من حكومة نتنياهو قبل نهاية سبتمبر القادم.
يكشف الكاتب الإسرائيلي شلومو غانور أنه "رغم العراقيل الكثيرة التي تعترض مفاوضات وقف النار، فإن نتانياهو بدأ اجراءات تمهيدية داخلية لإقناع اليمين الإسرائيلي المتشدد بالقبول باقتراح وقف النار، وعدم تعريض الحكومة الإسرائيلية للانفراط. إن نجحت هذه المبادرة، ونجحت الفرق الفنية في تذليل العقبات، فإنه يمكن التوصل لاتفاق وقف النار الأسبوع المقبل".
يقول الخبير الأميركي آرون ديفيد ميلر إن النجاح في مفاوضات الدوحة "يتطلب إلحاحا من جانب إسرائيل وحماس، وهناك قضية واحدة تحدد ذلك هي: تجنب حرب بين إسرائيل وإيران وحزب الله. المشكلة هي أن نتانياهو والسنوار ليسا على عجلة من أمرهما، وربما يعتقدان أن النتيجة تصب في صالحهما".
من جهته يرى الكاتب تريتا بارسي أن على بايدن "إجبار إسرائيل على الموافقة على اقتراح وقف إطلاق النار، الذي يدعي الرئيس الأميركي أنه اقتراح إسرائيلي".
منع حرب إقليمية... بالقوة أم بالدبلوماسية؟
قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن "التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة قد يدفع إيران إلى الامتناع عن شن هجوم على إسرائيل. لن أستسلم رغم صعوبة التوصل إلى اتفاق. ونحن نكثف المفاوضات لتحقيق هذا الهدف".
المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، قال من بيروت، إن الاتفاق المعروض لوقف إطلاق النار في غزة "سيساعد على الوصول إلى حل دبلوماسي في لبنان، ما سيمنع اندلاع حرب واسعة. علينا أن نغتنم فرصة هذه النافذة للعمل الدبلوماسي والحلول الدبلوماسية".
وخلال تواصلهما الهاتفي، ناقش وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، حالة "عدم الاستقرار الإقليمي، وخطر التصعيد المتنامي من قِبل إيران وحزب الله، وسائر المجموعات الإرهابية المدعومة من إيران في الشرق الأوسط".
إلى ذلك قال المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر إن التركيز الأميركي منصَبٌ على تهدئة الوضع، وإن البنتاغون وضع "قدرات عسكرية إضافية في المنطقة لتمكيننا من الدفاع عن قواتنا، وأيضا دعم الدفاع عن إسرائيل عند تعرضها لهجوم. نحاول ردع حدوث صراع إقليمي واسع، ومنع حرب إقليمية في شرق أوسط يعيش توترا. لدى الولايات المتحدة وإسرائيل علاقة أمنية مشتركة قائمة منذ مدة، ونحن أوفياء لتعهداتنا".
ودعت افتتاحية "وول ستريت جورنال" الإدارة الأميركية بـ"تسريع نقل القنابل الخارقة للتحصينات إلى إسرائيل، كي تنتبه إيران إلى أن منشآتها النووية قد تتعرض للخطر، وتعي قوة الغرب وعزمه، وكلاهما يشكل ضرورة أساسية لأي دبلوماسية ناجحة".
ويقترح الباحث الأميركي الإيراني فرزين نديمي في مقاله بموقع معهد واشنطن أن "ينشر البنتاغون نظام الأسلحة الجديدة بعيدة المدى الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، مثل صاروخ دارك إيغل الاستراتيجي، الذي يمكنه ضرب أهداف على مسافة تصل إلى 3000 كيلومتر.. فرغم أهمية القدرات الدفاعية ومساهمتها في ردع إيران، إلا أنها لا تكفي وحدها للقيام بالمهمة. ولذلك تحتاج واشنطن إلى قدرة هجومية متخصصة حقيقية في المنطقة ترافق مساعيها الدبلوماسية القوية".
يقول جويل روبن إن "إيران هي المُحفز الرئيسي لأفعال حماس والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية تضغط على نتانياهو لقبول الاتفاق المعروض من بايدن".
ويعتقد ريتشار مينيتر أن "المشكلة هي في تحميل بايدن لنتانياهو وحده مسؤولية عرقلة التوصل إلى اتفاق وقف النار، فيما الشعب الإسرائيلي يريد الأمن والانتصار في الحرب وإنهاء الإرهاب، وهذه هي أولوية نتانياهو".
على حافة الهاوية مع إيران؟
يثار جدال جمهوري ديمقراطي في الكونغرس الأميركي حول إيران. فالديمقراطيون يأملون بنزع فتيل حرب إقليمية عبر التوصل لوقف النار في غزة، فيما ينتقد الجمهوريون "سياسة بايدن بمهادنة طهران، فيما لا يرتدع النظام الإيراني عن الحرب إلا بالضغط والقوة والعقوبات".
النائب الجمهوري مايكل مكّول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، يقول إن "الطريقة الوحيدة لردع إيران ووكلائها، هي من خلال إظهار القوة والعزيمة بشكل واضح. لا بد أن تتوقف إدارة بايدن/ هاريس عن التأخير غير المبرر، والتصريحات المُضللة ذات الدوافع السياسية فيما يتعلق بدعم أمن إسرائيل".
وبالمقابل يرى النائب الديمقراطي البارز غريغوري ميكس، أنه "إذا نجحنا في إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، وتهدئة الأوضاع على الأرض، نأمل أن نتحرك نحو حل الدولتين، حتى يكون هناك سلام في المنطقة. أما إذا لم نتوصل إلى وقف لإطلاق النار، فسوف تجدد حماس نفسها، وهذا ليس الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط".
يقول جويل روين أنه "يجب أن يكون هناك اتفاقا يكبح سلوك إيران السيء، لأن فكرة وجود حل عسكري للمشكلة مع إيران معقدة جدا وغير واقعية. على واشنطن الاستمرار في الضغط والعقوبات على إيران للعودة إلى الاتفاق النووي".
من جهة أخرى، يعتقد ريتشارد مينيتر أن " تطوير إيران للصواريخ والأسلحة النووية هو لتهديد جيرانها وإسرائيل، ولضمان استمرار نظام الملالي. وبالتالي على واشنطن عدم اهمال تركيز إيران على النووي. وعلى إدارة بايدن قطع تدفق اليورانيوم إلى إيران من روسيا والصين، إن أرادت هذه الإدارة قطع طموحات إيران النووية، فمجلس الشيوخ الأميركي لن يوافق على اتفاق نووي مع إيران".
يقول الكاتبان فيكتوريا كوتس وروبرت غرينواي في مقالهما على موقع شبكة "فوكس نيوز" إن "سياسة أميركا المتهورة تجاه إيران جعلت الشرق الأوسط على شفا الحرب". وللخروج من هذا المأزق، يطالب الكاتبان الرئيس بايدن بالتخلّي عن "سياسة المهادنة التي يعتمدها تجاه إيران، واستعادة الردع عبر تحميل إيران مسؤولية أي هجوم من وكلائها ضد القوات أو المصالح الأميركية، وتصفية القادة العسكريين الإيرانيين المسؤولين عن هؤلاء الوكلاء، ومصادرة السفن الإيرانية، وتفعيل العقوبات على النفط والصادرات الإيرانية".
ويذهب فرزين نديمي إلى اعتبار أن "التدابير الدفاعية البحتة لن تردع طهران عن مهاجمة إسرائيل؛ وحده التهديد الأميركي الحقيقي بالهجوم يردع إيران عن التصعيد".
وعليه، يجب "توجيه تحذير أميركي قاطع وجاد إلى طهران، بأن أي هجمات مباشرة على المصالح الأميركية، أو حلفائها ستؤدي إلى عواقب خطيرة - وربما وجودية - على النظام"، برأي فرزين نديمي.
وتستغرب الكاتبة والناشرة الأميركية كاترينا فان دين هوفل إقرار الولايات المتحدة "مبيعات أسلحة لإسرائيل بقيمة عشرين مليار دولار، في ظل التهديد بحرب شرق أوسطية واسعة؛ إنه تصعيد جنوني".
فهل يحمل الأسبوع المقبل تتويجا للمساعي الدبلوماسية أم المزيد من العرقلة؟
المصدر: الحرة