إسرائيل ترفض تحييد أي هدف تابع لمحور إيران
المعضلة الحقيقية التي تؤخر الرد الإيراني على إغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر في طهران وضاحية بيروت الجنوبية تكمن في فشل الوساطات في صياغة قواعد إشتباك جديدة تضبط أبعاد الحرب التي يتزايد إشتعالها بعد 10 أشهر على إندلاعها.
حتى إعلان بعض الدول العربية المحاذية لإسرائيل أنّ أجواءها ستكون “محايدة” في الصراع بين طهران وتل أبيب قصد به إبلاغ إيران بأنّ الحياد لا يفتح الأجواء لمرور الصواريخ، بل يحتّم اعتراضها لأنها تخرق الحياد.
لم يستطع الوسطاء الأميركيون والأوروبيون الحصول على تعهد من إسرائيل بتحييد بيروت وضاحيتها الجنوبية ولا على تعهد من إيران بأنها ستلزم أذرعها في الدول العربية – بدءاً بحزبها في لبنان وصولاً إلى أتباعها حوثيي اليمن ومروراً بمرتزقتها في سوريا وحشدها الشعبي في العراق – بوقف الحرب على إسرائيل من دون ربطها بوقف الحرب الإسرائيلية في غزة. لذلك فشلت الوساطة ولم تتمكن من تحقيق صيغة قواعد اشتباك جديدة تحول دون تحويل معارك الإستنزاف الجارية منذ تشرين الأول الماضي إلى حرب شاملة تشعل الإقليم وتهدد ما حوله.
تقاطعت معطيات صيغة فشل التسوية مع معلومات مصدرين، أميركي وأوروبي، كشفا أنه تم التوصل إلى ما اعتبراه شبه تفاهم مع إسرائيل على أنها لن تدمر لا بيروت ولا ضاحيتها الجنوبية ولا أي تجمع سكاني آخر في لبنان باستثناء منطقة جنوبي الليطاني التي لن تشملها أي تسوية إلا إذا صدر إعلان رسمي من إيران أو حزبها بإلغاء ربط مصير المنطقة بحرب غزة.
شبه التفاهم المذكور لا يلزم إسرائيل بوقف تصفية كوادر وتدمير بنى تحتيه وورش صناعية لقوى المحور الإيراني حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير محيطها المدني إستناداً إلى معادلة أنّ من “يستخدم المدنيين ستارة للتخفي بينهم هو الذي يتحمل مسؤولية التسبب بوقوع ضحايا وإصابات في صفوفهم ومحيطهم،” وفق ما ذكره المصدر الأميركي، وهي النظرية التي اعتمدت إسرائيلياً وأميركيا وغربياً عموماً بعد استهداف انتحاري من حزب إيران بسيارة بيجو مفخخة مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي بمدينة صور الجنوبية في 11 تشرين الثاني سنة 1982 وأدى الإنفجار إلى تدمير كامل المبنى المكون من سبع طبقات وأسفر عن مقتل 75 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً و14 معتقلاً لبنانياً وفلسطينياً كانت تحتجزهم إسرائيل في المركز، إضافة إلى إصابة 28 معتقلاً لبنانياً وفلسطينياً بجروح خطيرة أدت إلى إصابة بعضهم بأعطال دائمة.
وزعمت إسرائيل أنّ الهجوم خطط له عماد مغنية الرجل الثاني في حزب إيران المسلح الذي إغتيل في دمشق بعد 26 سنة بتفجير سيارته في حي كفر سوسة في 12 شباط العام 2008.
ويقال أنّ الإنتحاري الذي فجر نفسه بمقر الحاكم العسكري الإسرائيلي يدعى أحمد قصير وكان له من العمر 17 عاماً، ويعتبر أول إنتحاري لحزب إيران تبعه بعد قرابة سنة وتحديداً في 23 تشرين الأول العام 1983 تفجير إنتحاري آخر لمقر قيادة جنود المارينز في بيروت ما أسفر عن مقتل 241 جندياً أميركياً.
في صيف العام 1989 إلتقيت في ضاحية عبرا شرقي صيدا صديقي إبن صور س.م.، وكان سابقاً من معتقلي مقر الحاكم العسكري. رأيته يستعين بعكازين فسألته: “شو صار معك يا آغا”؟.
أجابني باختصار وتهكّم: “دمروا مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي لتحرير لبنان فتحررت ساقي من جسدي.”
مع إنسحاب إسرائيل من الشريط الحدودي في العام 2000 توقّف حزب إيران عن اعتماد عمليات التفجير الإنتحاري بعدما كان قد “طوّرها” لتشمل إنتحاريين إثنين، بدل الواحد، في السيارة المفخخة الواحدة، لأنّ قوات الإحتلال الإسرائيلي كانت تطلق النار من دون إنذار على أي سيارة لا تنقل سوى سائقها باعتبار أنها مفخخة ومعدة لتنفيذ عملية إنتحارية.
الشخص الثاني الذي يقضي في الإنفجار أطلقت عليه تسمية “الشهيد المظلوم” لأنّ الإنتحاري كان يختاره ليستخدمه جواز مرور لتنفيذ عمليته من دون إبلاغه بمصيره أو موافقته على الإنتحار.
كانت قوات الإحتلال تطبق منع تحرك سيارة بسائقها فقط على الطرقات الرئيسة التي تفصل البلدات عن بعضها البعض، أما داخل القرى فكان يسمح للسكان بالتحرك إفرادياً بسياراتهم لتدبير أمور حياتهم اليومية.
ضمن هذا الإستثناء أطلق إنتحاري منفرد صاروخاً من سيارته المفخخة على دورية إسرائيلية مؤللة كانت تمر ببلدة القليعة، فقتل هو بالإنفجار، ولم تقع إصابات في الدورية الإسرائيلية وأصيب المراهق المدني ج.ن. في ساقه لكنه نجا.
شاهدت والد ج.ن، وهو موظف في بلدية القليعة، ينظف الشارع الرئيسي في ذكرى الإنسحاب الإسرائيلي التي كان برنامجها يتضمن زيارة وفد من الحزب لوضع إكليل على موقع تنفيذ العملية التي أصابت إبنه، من ضمن مواقع عمليات أخرى.
سألته : ماذا تفعل يا أخ؟ نظر إلي بصمت مهيب ولم يتكلم.
لا أنسى تلك النظرة التي كانت أبلغ من أي كلام.
بالعودة إلى شبه التفاهم قال المصدر الأوروبي: “لم نستطع لا نحن ولا غيرنا إقناع إسرائيل بوقف عمليات إغتيال كوادر قوى محور إيران وتدمير أي أهداف عسكرية تابعة لأي منهم … وفي أي مكان في لبنان.”
واعتبر أنّ ما نسب إلى وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب قوله من أنّ أميركا أقنعت إسرائيل بتحييد العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية “غير دقيق.”
وأضاف: “أميركا طلبت من إسرائيل عدم تحويل ضاحية بيروت الجنوبية إلى دمار كما فعلت في حرب تموز-آب 2006، وذلك لعدم توفر أي رغبة لدى الدول المقتدرة على المساعدة في إعادة إعمار كل ما يقع تحت سيطرة محور إيران.”
وأوضح أنّ “شركاتنا غير مستعدة للمغامرة بالإستثمار في إعادة إعمار ما تهدمه الحرب في لبنان إذا لم يتوفر غطاء إقلمي واضح وصريح لمثل هذه المهمة، وهو غير متوفر ومن غير الواضح ما إذا كان سيتوفر ومتى.”
أما موقع أكسيوس فنقل عن مسؤول أميركي قوله إنّ رد إيران وحزبها اللبناني “لا يزال أمراً قيد التطور.”
وقال المسؤول الأميركي: “المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أنّ إيران وحزب الله لم يقررا بعد ما يريدان فعله تحديداً”.
وأضاف: “من غير الواضح لدى الاستخبارات الأميركية من سيهاجم أولاً ولا طبيعة الهجوم … وهل سيكون هجوماً من موجتين، واحدة إيرانية وواحدة بقيادة الحزب من لبنان.”
بانتظار أن يقرر محور إيران خطة هجومه يبقى المجهول سيد المعارف…
محمد سلام - هنا لبنان