الجمهورية في حمى الأذرع
ينتظر الشرق الأوسط الرد الإيراني على عمليتيّ اغتيال فؤاد شُكر كبير القياديين في حزب الله واسماعيل هنيه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في ضاحية بيروت الجنوبية وطهران. إغتيال شُكر أتى بعد تحذير إيراني متكرّر لإسرائيل من عواقب توجيه ضربة لحزب الله، كما مثّل اغتيال هنيّه بعده بساعات إستدعاءً واضحاً لطهران للمواجهة، هذا وقد أضفى مسرحا الإغتيال في العاصمتين المتناغمتين في المنطق والواقعتين على طرفيّ الهلال الشيعي ما يكفي من الحرج للقيادة الإيرانية بما يحول دون تأجيل الرد للزمان والمكان المناسبين وبما يجعل من الرد أمراَ لا بد منه.
تقضي الواقعية بعدم استبعاد الدور الأميركي في تقديم الدعم التقني والإستخباراتي في عمليتيّ الإغتيال، وهو ما سبق لواشنطن أن أكدته مراراً في عمليات سابقة، مما يعني أن المواجهة الوشيكة مع طهران ليست وليدة المشهد الجديد وليست تطوراً فرضته ظروف الميدان، بل هي مرحلة من مسار بدأته واشنطن بحشد قواتها في المنطقة منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى تحت عنوان منع تدخل قوى إقليمية في الصراع وتوسّع الحرب. وقد يكون في تنصل طهران في حينه من أية علاقة لها بالهجوم الذي شنته حماس على مستوطنات غلاف غزة ما يوحي بإدراك طهران للنوايا الأميركية ومحاولة لكسب الوقت وبعثرة المسار الأميركي.
ربما في هذا السياق يمكن فهم الإمعان الإسرائيلي في استدراج طهران إلى مواجهة لا بد منها بتكثيف الهجمات على قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا وآخرها إستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 أبريل 2024 بستة صواريخ من طائرات حربية إسرائيلية من طراز إف-35، مما أودى بحياة قائد الحرس الثوري في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي، بالإضافة إلى 5 ضباط آخرين. وفي هذا السياق أيضاً يمكن فهم الهجوم الإيراني على إسرائيل المنسق أميركياً في 13 نيسان / إبريل بما يقطع الطريق على أي احتمال للمواجهة مع واشنطن.
أمام الإصرار الأميركي على استدراج إيران الى المواجهة وإدراك طهران لمخاطر قبول الدعوة الأميركية تتضح حراجة الموقف الذي يضع طهران أمام خيارين:
الأول، المضي في مواجهة وفقاً لشروط وتوقيت تضعها واشنطن وتل أبيب وهذا يعني الذهاب الى مواجهة غير مضمونة النتائج وغير قابلة للسيطرة في ظلّ التوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن وانكفاء الغرب، بما في ذلك المغامرة بمستقبل الأذرع المسلحة في لبنان وسوريا على الأقل.
والثاني، تجنب تجنب المواجهة وتكرار الرد الذي اعتمد في نيسان المنصرم بالتنسيق مع واشنطن تحت عنوان قبول الوساطات الدولية تحت عنوان قبول الوساطات الدولية وتحمّل التبعات المعنوية لذلك يترتب على ذلك من تبعات معنوية ومنها سقوط كل العناوين التي رفعتها طهران في المنطقة والتي بنت عليها نظرية تصدير الثورة بما في ذلك الموقف من إسرائيل. وهذا لن يوقف مسار التنازلات ولن يؤدي الى وقف مسلسل الإعتداءات الإسرائيلية بما يضع طهران أمام مواقف ممائلة.
وفي هذا الإطار، تبرز التقييدات الميدانية التي تواجهها طهران والتي تجعل من تكرار الرد الذي اعتُمد سابقاً غير قابل للتطبيق. وقد يكون في موقف كل من المملكة الأردنية والمملكة العربية السعودية ــــــــ اللتان أكدتا على عدم السماح بتحويل أجوائهما مسرحاً للعمليات العسكرية وتعريض أمنهما واستقرارهما لخطر التصعيد المتبادل ــــــــ ما يؤكد حراجة الموقف الإيراني ومحدودية الخيارات القابلة للإستثمار. هذا وقد يدفع عدم احترام طهران لتلك التقييدات الى وضع حجر الأساس لتحالف إقليمي برعاية الولايات المتحدة ينطلق من إحباط الهجوم الإيراني وإسقاط الصواريخ العابرة للأجواء ولا يتوقف عند إنتهائه، وهذا ما سيضع طهران أمام معادلة إقليمية غير متوقعة.
تبدو السقوف المفروضة على خيارات طهران واضحة هي التي لم تلامس يوماً حدود المغامرة غير المحسوبة بل سعت دائماً للبحث عن تسويات تبقيها ضمن نظام المصالح الأميركية الذي تتصدره مسألة أمن إسرائيل واستقرارها ، هذا ما يؤكده مسار الجمهورية الإسلامية منذ الحرب العراقية مروراً بكل المحطات الحرجة التي عاشتها. قد تجد طهران خيارها المتبقي في تكرار الإنكفاء الذي اعتمدته مع طوفان الأقصى وفي تحويل الرد القاسي الذي أرادته ثأراً لفؤاد شكر واسماعيل هنيّة الى تكليف أذرعها في لبنان وسوريا والعراق للقيام بالهجوم المنشود بما يماشي رغبات واشنطن ويما لا يأخذ بعين الإعتبار فداحة التضحيات المترتبة على ذلك.
طبعاً لن تكون طهران في موقع البحث عن مبررات لخياراتها، إن الدور الحقيقي للأطراف هو الإستماتة في حماية الجمهورية.
العميد الركن خالد حماده - اللواء