ردا على اغتيال هنية.. ردة من ستسبق إيران و"الحزب" أو إسرائيل؟
أيهما يَسْبق… ضربةٌ من إيران و«حزب الله» على إسرائيل رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران و«رئيس أركان» الحزب فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، أم «ضربة استباقية» من تل أبيب لإرباكِ «محور الممانعة» وإبقاء زمام المبادرة العسكرية في يدها؟
سؤالان خيّما على بيروت أمس، وتَقاطَعا عند حتميةِ حصولِ تصعيدٍ عسكري بدا على مسافة ساعاتٍ ويَصعب التكهّن بالمدى الذي سيأخذه وبالخطوة التالية لأي ردٍّ من طهران أو «حزب الله»، كلاهما معاً (ومن مختلف ساحات المحور)، أو كل منهما «على توقيته»، وسط رجحانِ كفّة أن تتركَ إسرائيل الردَّ على اغتيال هنية وشكر يقع لـ «يُبنى عليه» ربما بـ«جرعات» أعلى من مفاجآت يخبئها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي بات بمثابة the unpredictable.
وارتفع منسوبُ «حبْس الأنفاس» في بيروت «حيال ما سيكون» لأعلى درجة، وزاد من وقْعه الشديد الخطورة ما نُقل عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين من توقعاتٍ بأن «الرد الإيراني على إسرائيل سيبدأ (اليوم) الاثنين» وربما في ساعات الفجر، وتَوالي الدعوات من دول عربية وغربية لرعاياها بالمغادرة على طريقة «الآن وليس غداً».
ولم يجد لبنان مفراً من رَصْدٍ متعددِ الاتجاه لكل «شاردة وواردة» من حوله، محاولاً تَلَمُّس الإشاراتِ و«تجميعها» علّها تكوّن صورةً تكون الأقرب لِما ينتظره و«لا قرارَ له فيه»، بعدما سلّم بأن رداً أكيداً سيحصل على اغتيالِ شكر، ولـ «حزب الله» التحكّم والسيطرة المطلقة والمنفردة على طبيعته ومداه وتوقيته، ومن دون أن يكون لأيٍّ من المسؤولين في بيروت تَصَوُّر إزاء تَرابُط هذا الردّ أو عدمه مع «الانتقام الآتي» من إيران، بما يجعل البلادَ تُقتادُ «مخفورةً» إلى قلْب العاصفة، كما يقول خصوم «حزب الله» في الداخل.
و«انهمرتْ» على بيروت تصريحاتٌ وتَقارير من إسرائيل، وبياناتُ دولٍ وسفاراتٍ، بالتوازي مع تزخيمٍ كبير لحركة الاتصالات الدولية والإقليمية في اتجاه تل أبيب وطهران، في مؤشر إلى أن «ساعةَ الصفر باتت وشيكةً»، وسط قلق كبيرٍ مما بعد الردّ، المنسّق من محور الممانعة أو الانفرادي، خصوصاً مع تأكيد نتنياهو «اننا سنردّ على أيّ عمل عدواني ضدّنا ومن أيّ ساحة، وإسرائيل تخوض حرباً متعددة الساحة ضد محور إيران وقد ضربنا كل أذرعه بقوةٍ ونحن مستعدون لأي سيناريو سواء في الدفاع أو الهجوم».
وعزّز الأجواءَ المحمومة، قول قائد الجبهة الداخلية الإسرائيلية رافي ميلو، خلال مداولاتٍ عقدها حول صورة الوضع الحالية وتقويم المخاطر ومواصلة الاستعدادات لمواجهة الهجوم الذي يُتوقع أن تشنّه إيران و«حزب الله»، إن المداولات تركزت على «تعزيز الجهوزية لسيناريوهات عملياتية مختلفة، وبشكل خاص الحوار مع الحيز المدني وإعداد السكان لمواجهة حالات طوارئ»، مشدداً على «أننا مصرّون على الاستمرار في القتال إلى حين نغيّر بشكل جوهري الوضع الأمني في الشمال».
وفي السياق نفسه، نشرت صحيفة «معاريف» تقريراً ذكرت فيه انّ قائداً عسكرياً مسؤولاً عن مواجهة حركة «حماس» في غزة، يستعد للانتقال إلى الحدود مع لبنان لمواجهة «حزب الله»، كاشفة انه جرى تكليف قائد الفرقة 252، العميد موران أومر، بقيادة الفرقة 36 الكبيرة (وهي أكبر فرقة نظامية) التي ستقوم بالمناورة ضد «حزب الله».
ووفقاً لـ«معاريف»، يشير أومر إلى أن الحرب مع لبنان «وشيكة»، لافتاً إلى أنه «في الشمال مع لبنان، هناك تحدّ كنا نستعدّ له منذ أعوام عديدة وليس فقط هذا العام».
وقال: «سنفعل كل ما يتطلبه الأمر، والفرقة 36 ستقودُ ذلك».
وعلى وقع الإعدادِ الميداني للمرحلة الجديدة من المواجهة والمفتوحة على أسوأ السيناريوهات، بدا من الصعب على أي كان استشراف ملامح اليوم التالي للردّ ولا سيما إذا جاء في عمقٍ مثل تل أبيب (وفق تعهّد «حزب الله» سابقاً بأن بيروت مقابل تل أبيب) وفي حال لم يكن اكتمل تنسيقُ منظومة دفاع مشترك متعددة الجنسية لتكوين «درعٍ واقٍ» حول إسرائيل من صواريخ إيران ومسيّراتها، وربما من ساحاتٍ عدة، ما قد يؤدي إلى أضرار تحتّم ضغط نتنياهو على «أزرار أكبر» يتحيّن استخدامَها في ظل الحضور الأميركي العسكري الوازن في المتوسط وقبالة إيران.
وهذا الواقع البالغ التعقيد والخطورة، أكملت «نصابه» الدعوات التي كرّت من دولٍ أشعلت «صفارات الإنذار» لرعاياها من البقاء في لبنان، وسط استمرار عدد كبير من شركات الطيران بتعليق رحلاتها إلى بيروت وتسجيل ازدحام في مطار رفيق الحريري الدولي على المغادرة والتسابق على إيجاد مقاعد على الرحلات التي لم تتوقف.
وإذ أكد البيت الأبيض، أمس، «اننا نستعدّ لكل السيناريوهات في الشرق الأوسط بما فيها إجلاء رعايانا من لبنان»، أعلنت وزارة الخارجية السعودية «أن سفارة المملكة تتابع عن كثب تطورات الأحداث في جنوب لبنان، وتجدد السفارة دعوة المواطنين السعوديين لمغادرة الأراضي اللبنانية بشكل فوري التزاماً بقرار منْع السفر إلى لبنان».
وبعدما أهاب الأردن بمواطنيه عدم السفر إلى لبنان في الوقت الراهن، حرصاً على سلامتهم، وطلب من رعاياه المقيمين والموجودين «المغادرة في أقرب وقت»، دعت فرنسا مواطنيها إلى مغادرة لبنان وإيران في ظل المخاوف من اشتعال الوضع في المنطقة على خلفية الحرب في قطاع غزة.
وأفادت وزارة الخارجية في توجيهاتها للمسافرين إلى لبنان أنه «في سياق أمني متقلب جداً، نلفت مجدداً انتباه الرعايا الفرنسيين إلى أنه مازالت هناك رحلات تجارية مباشرة وغير مباشرة متوافرة إلى فرنسا، وندعوهم إلى اتخاذ تدابير الآن لمغادرة لبنان فور الإمكان».
كذلك طلبت روما من «السياح الإيطاليين عدم الذهاب إلى لبنان».
وفيما كانت العيون شاخصةَ على الردّ المحسوم من «حزب الله» وإيران، بقي الميدانُ جنوباً على التهابه الموصول بـ«جبهة الإسناد» لغزة وديناميتها المنفصلة عن تداعيات اغتيال شكر وهنية.
وإذ شنّت إسرائيل غاراتٍ على بلدات حدودية وإحداها على الطيبة، حيث أفادت مؤسسة كهرباء لبنان بأن حريقاً كبيراً اندلع في محطة تحويل الكهرباء في مشروع الطيبة، جراء استهدافها بغارة من مسيّرة، نفّذ «حزب الله» سلسلة عمليات ضد مواقع وتجمعات عسكرية إسرائيلية بالتوازي مع تعمّده تثبيت معادلة «سقوط مدنيين بقصف مستوطنة جديدة».
وفي هذا الإطار، ردّ على مقتل مدني وجرح آخَرين في غارات مساء السبت على كفركلا وديرسريان بإدخال «المستوطنة الجديدة بيت هلل على جدول نيراننا وقصفناها للمرة الأولى بعشرات صواريخ الكاتيوشا».
كما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بعد ظهر أمس بأن مصنعاً في كريات شمونة في الجليل الأعلى تعرّض لإصابة مباشرة بصاروخ أُطلق من جنوب لبنان.
وكاد وهج «كرة النار» التي تقف على عتبة مرحلة أكثر عصفاً أن يحجب محطاتٍ بالغةَ الأهمية، كالذكرى الرابعة لانفجار مرفأ بيروت الهيروشيمي التي مرّتْ بأصداء طغى عليها هديرُ الحرب – «المتوسّعة أو الواسعة» – التي تُقرع طبولها، ومثْلها الحَدث السياسي الذي شكّله توقيع رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل، قرار فصل النائب آلان عون (ابن شقيقة الرئيس السابق ميشال عون) في تطورٍ يُخشى أن يُحْدث تشققات عميقة في جسم العونية الحزبية والسياسية واعتُبر من خصوم صهر عون (باسيل) «تهريبةً» تحت دخان المناخاتِ الحربية.
وقد حلّت ذكرى ثالث أقوى انفجار غير نووي في العالم والتي تخللتها مسيرة شعبية لأهالي الضحايا والجرحى في اتجاه موقع الجريمة التي مازالت «برسم مجهول» – رغم ما نُسب الى المحقق العدلي طارق البيطار من أن القرار الظني سيصدر في 2025 – وسط إسقاطاتٍ عليها من «وحي» اللحظة «المرقّطة»، وبينها قول (الصحافي والكاتب السياسي فارس خشان) «إن لبنان كله العنبر 12» (الذي خُزنت فيه مئات أطنان نيترات الأمونيوم التي انفجرت في 4 أغسطس 2020 ودمّرت نصف بيروت وتسببت بمقتل أكثر من 220 شخصاً وجرح نحو 6 آلاف)، في تعبيرٍ عن حراجةِ المرحلة التي زُجّ فيها لبنان في ظلّ مَخاوف كبرى من أن يكون في عين برميل البارود المرشّح لـ… الانفجار الكبير.
المصدر - الراي