استعدادات لحرب كبرى في الشرق الأوسط
على الرغم من النقاط التكتيكية التي راكَمَها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأيام الأخيرة، باغتيال قائد رفيع المستوى في «حزب الله» في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وكذلك رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران، واغتيال قائد إيراني في سورية، وقبْلها قصف مرفأ الحديدة في اليمن، إلا أنه لم يأتِ بأي انتصار يحققه في ملف الأسرى ولا في السيطرة على غزة العصية بـ 364 كيلومتراً مربعاً، كما أنه لم يفرض معادلة ردع جديدة.
لكن نتنياهو وبتوسيعه المعركة مع «محور المقاومة» انتقل من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع، بما سيفرض توزيع الردّ الآتي لا محالة ضد أهداف إسرائيلية ويخفّف من قرع طبول الحرب على دولة أو عاصمة أو عضو من المحور دون الآخَر.
وقد بدأ هذا المحور يستعدّ للحرب واتخاذ تدابير وكأن واقعة غداً، وكذلك استعدت بيئته، خصوصاً في لبنان، لحرب وكأنها على الأبواب.
أقسمتْ إيران على لسان الولي الفقيه السيد علي خامنئي، بالانتقام الآتي والذي لابد منه، ورفعت العلم الأحمر على مآذنها والذي لن يُنزل إلا بعد تحقيق الانتقام لدم هنية بضرب إسرائيل مباشرة.
وبدأت الاتصالات العربية والغربية للتوسط لثني طهران عن عزمها وحضّها على التراجع عن ضرْب أهداف في إسرائيل بنفسها ومن خلال قواتها المسلّحة بل عن طريق حلفائها.
لكنها رفضت كل الوساطات وردّت الرسائل بأخرى مفادها بأن الثأر سيحصل لفرض سيادتها ومعاقبة المعتدي.
فعاود الوسطاء - بحسب مصادر إيرانية مسؤولة - الكَرّة طالبين تخفيف وطأة الضربة العسكرية. فلم تعطِ إيران بقيادتها أي جواب لأنها غير ملزمة بطمأنة إسرائيل التي بدأت تعدّ العدةّ للرد الآتي والذي ينطلق من حق طهران بالدفاع عن نفسها، بحسب القانون الدولي بعد الضربة التي تلقّتها في عاصمتها واغتيال ضيفها.
أما لبنان فهو أيضاً يتحضّر للدفاع عن نفسه بعد ضرب إسرائيل لضاحية عاصمته بيروت وقتْل قائد جهادي، السيد محسن، فؤاد شكر، وآخَرين مدنيين، وتالياً خرق جميع قواعد الاشتباك المعمول بها نسبياً منذ الثامن من أكتوبر.
ولن يَسمح «حزب الله» بهذا الخرق من دون رد قاس جداً استعدّ له منذ لحظة الضربة ليقرع طبول الحرب في بيئته جنوباً وعاصمة وبقاعاً.
وما لا يمكن التنبؤ به هو الأهداف التي سيضربها أطراف «محور المقاومة» وهي ستكون جميعها - وفق المتوقَّع - غير مدنية من دون أن يعني ذلك أن بنى تحتية ستكون بمنأى عن التدمير.
بل إن الأهداف الأساسية التي ستطالها صواريخ «محور المقاومة» ستركّز على العسكرية منها ولكن في عمقٍ لم تصل إليها صواريخ الحزب من قبل، ما ستهتزّ له إسرائيل حتماً، بحسب مصادر المقاومة ومحورها.
فلدى «حزب الله» ثأر على إسرائيل وكذلك لإيران ولسورية وللعراق ولليمن، بينما إسرائيل تملك القدرة على شنّ هجمات جوية بمساعدة حلفائها الذين يشاهدون تحركات طائراتها، وهي تبلغهم بذلك وتنسّق مع أميركا قبل ضرباتها لأنها تحتاج إليهم بعد ذلك ليتوسطوا مع لبنان وإيران والعراق واليمن في محاولة (فاشلة) لتهدئة الأوضاع بعد تحقيق نتنياهو أهدافه التكتيكية وكذلك التخريبية للمفاوضات وفق ما عبّر عنه اغتياله المُفاوِض الرئيسي هنية.
وبدأ الشارع الإسرائيلي يتساءل عما يفعله نتنياهو بقتله أهدافاً وشخصيات عسكرية وسياسية تُستبدل فوراً بعد تشييعها وبتخريب المفاوضات وفتْح شهية طهران من جديد لضرْب إسرائيل مباشرة وإعطاء العذر لـ«حزب الله» بتوسيع الضربات ضد أهداف جديدة من دون تحقيق هدف عودة أكثر من مئة ألف نازح من المستوطنين إلى الجبهة الشمالية على حدود لبنان.
وتالياً، فإن الأزمة الإسرائيلية تتعاظم في ظل صمود المقاومة الفلسطينية وعزم «محور المقاومة» على رفْض محاولة تثبيت معادلة الردع الإسرائيلية وإفشالها بعد استعداد المحور للردّ خصوصاً أن الأهداف قد اختيرت بدقة وعناية، رغم إدراك «حزب الله» وإيران وحوثيي اليمن، أنهم يتعاملون مع مَن اعتبرته الأمم المتحدة بمحكمتها الدولية «مجرم» حرب، نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت.
فالرد هو لفرض معادلة الردع من جديد وإعادة إسرائيل إلى مربع القبول بقواعد الاشتباك من جديد إذا أرادتْ عدم توسع الحرب إلى حدودٍ غير مدروسة ومفتوحة على كل الاحتمالات.
تَعتبر إسرائيل نفسها فوق المحاسبة وأنها تستطيع قتْل الصحافيين وموظفي الأمم المتحدة والأطفال والنساء وتجويع الفلسطينيين والاعتداء على سيادة الدول ما دامت أميركا تحميها والمجتمع الدولي يغض النظر عن أفعالها التي ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعن التهجير القسري واستخدام القوة المفرطة التي يمدّها بها الغرب.
إلا أن كسْر المحرمات بضرب إسرائيل قد حصل مِن قبل إيران و«محور المقاومة» بمستوى لم يسبق له مثيل.
من هنا فإن إسرائيل لا تسمح لنفسها، في وضْعها الحالي، بشن حروب متعددة، وهي لن تستطيع تحقيق أهدافها - عدا الدمار والتخريب - ولكنها ستدفع «محور المقاومة» لتقبّل خسائر كبيرة للوقوف في وجهها وفي وجه حليفتها أميركا التي بدأتْ تتحضّر لتساعدها في دفْع جزء من الضربات الآتية عنها.
ومما لا شك فيه أن الشرق الأوسط، يحبس أنفاسه لِما تحمله الأيام المقبلة وهل ستتدحرج الأمور إلى ردٍّ وردٍّ مُقابِل وردود لا تتوقف حتى يَفرض العالم وقْف حرب غزة.
المصدر: الراي الكويتية