رئيس للجمهورية أم رئيس للبرلمان؟
النظام اللبناني أشبه بكرسي رئاسة نخر السوس بعض أو كل قوائمه، ما يوجب إحالته إلى التقاعد بعد إمراره في ورشة صيانة لحفظ شكله الذي يروي تاريخ الذين توالوا الجلوس عليه وأدوارهم في الحياة العامة.
ويتم عادة حقن القوائم المصابة بسائل سام لقتل السوسة منعاً لتمدد الإهتراء إلى بقية الكرسي الشاهد على أحداث حقبة من تاريخ شعوب عاشت على هذه الأرض.
أثبتت نتائج الإنتخابات النيابية سنة 2022، بما لا يقبل الشك، أنّ النظام الذي ولدت تحت مظلته قد أنهى نفسه بنفسه لأن السلطة التي أنتجها مصابة بتوازن تعطيل، ما يحول دون قدرة أي طرف منها على تحقيق فوز على بقية الأطراف ما يمكنه من قيادة البلد، كما يحول أيضاً دون تساوي جميع الأطراف في الهزيمة، ما يدفعهم إلى القبول بتسوية تنتج صيغة للمحافظة على وجود الكيان.
علماً بأنّ التسوية لا تصير خياراً فاتحاً لأبواب الحلول إلا عندما تتساوى قوى النزاع أو التنافس في الهزيمة، فيما القوى اللبنانية تساوت في التعطيل، لا في الهزيمة، فهل يعني ذلك أنّ النظام قد مات ويتوجب استيلاد بديل منه؟؟ وما هي آلية استيلاد الجديد، ومن سيشرف على الإستيلاد ومتى؟
التساؤلات طُرحت بالتزامن مع زحمة تطورات سياسية وميدانية وإقتصادية أبرزها:
الزيارة السادسة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان التي تبين أن لا صحة لما سبقها من توقعات حول دعوة فرنسية لعقد مؤتمر لبحث مخارج للأزمات اللبنانية، لا سيما مسألة الشغور الرئاسي التي تعتبرها باريس المدخل لإنقاذ النظام اللبناني.
وما أن وصل لوريان إلى لبنان حتى أعلنت حكومة تصريف الأعمال تأمين اعتماد بقيمة حوالي مليون وخمسين ألف دولار لمجلس الجنوب لدفع مساعدات لعائلات الشهداء والنازحين هرباً من القصف الإسرائيلي، وقدر عدد المستفيدين بـ 52 عائلة. ولم يحدد البيان الصادر عن الحكومة ما إذا كانت المساعدات تشمل عائلات مقاتلين أم ضحايا مدنيين.
علماً بأنّ عدد النازحين الجنوبيين منذ إشتعال جبهة المشاغلة دعماً لحركة حماس وصل إلى 81 ألفاً، والرقم مرشح إلى تزايد مع إتساع رقعة العمليات الإسرائيلية لتشمل مناطق شمالي نهر الليطاني وسهل البقاع في المنطقة الواقعة بين سلسلتي جبال لبنان الغربية والشرقية.
وفي إشارة جديدة إلى ما يتردد عن فشل فرنسي في تأمين إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية هذا الصيف جاء في أسرار جريدة نداء الوطن: ” يقال إنّ الثنائي الشيعي يراهن على البرلمان الجديد لإنتخاب رئيس الجمهورية، لكونه قادراً على توسيع حصّته النيابية في السّاحتين المسيحية والسنية”.!!!
يذكر أن ولاية المجلس الحالي تنتهي في شهر أيار من العام 2026، علماً بأن الشغور الرئاسي بدأ في الأول من تشرين الثاني سنة 2022، أي قبل 19 شهراً ما يطرح السؤال:
هل سيشهد لبنان فترة شغور رئاسي تمتد إلى ما بعد موعد الإنتخاب المقررة للمجلس العتيد في أيار 2026، أم سيشهد لبنان ظرفاً يفرض إنتخابات مبكرة؟
الجميع منهمكون بشغور كرسي رئاسة الجمهورية، فيما التحدي الحقيقي الذي يعيشه البلد هو من سيكون رئيس المجلس النيابي العتيد، الذي سينتخب رئيس الجمهورية وليس العكس.
مصدر دبلوماسي رفيع يقول إنّ لبنان واقعيًا يديره رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ إنتخب رئيساً للسلطة التشريعية أول مرة في 20 تشرين الأول سنة 1992 وأعيد إنتخابه للمرة السابعة على التوالي في 31 أيار 2022 لولاية مدتها 4 سنوات.
هل سيتقاعد بري المولود في 28 كانون الثاني سنة 1938 عن الترشح للإنتخابات النيابية في العام 2026 أم سيشهد لبنان حدثاً يفرض إنتخابات نيابية مبكرة؟؟
الإجابة ملك الآتي من الأيام، لكن ما يلفت هو الإهتمام المتنامي بين شخصيات سياسية شيعية، بقاعية وجنوبية، على مقاربة الإهتمام بالإنتخابات النيابية العتيدة في العام 2026 سواء بجولات على المغتربين اللبنانيين الشيعة في بلاد الإنتشار أو بتعزيز الولاء التقليدي لنظام الأسدين مع إنتعاش أحلام اليقظة لدى البعض بإستعادة أمجاد حقبة ما عربف ب ال س.س. أي السعودية-سوريا، علماً بأنّ س. الأسد، العائدة إلى الحضن العربي، لم تعد موزعة مناصب وأدوار بل صارت ساعية إلى منافع، خصوصاً بعد تعيين السعودية فيصل المجفل سفيراً جديداً لها لدى سوريا.
أتباع نظام الأسد التقليديون في لبنان يحلمون بعودة النفوذ السوري خصوصاً لجهة التأثير على ملف إنتخاب رئيس الجمهورية، كما على دور لبناني مساعد في رفع العقوبات الأميركية عن سوريا في مسألة إعادة النازحين لما يؤمّنه ذلك لهم من مكاسب مادية تنعش تردي أحوالهم.
علماً بأنّ الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا ودول الكومونولث ما زالت تربط التعامل مع سوريا بتحقيق الحل السياسي، كما عبّر الإتحاد الأوروبي بصراحة عن موقفه مؤخراً في مؤتمر بروكسل بإعلانه أنّ “الظروف ما زالت غير متوفرة لعودة اللاجئين السوريين”.
أتباع الأسد تفاجأوا بأنّ العقبة الكبرى التي تمنع تحقيق آمالهم في لبنان ليست مواقف أميركا وأوروبا، بل موقف محور إيران التي تصر على حصرية الإمساك بكامل الملف اللبناني بيدها كونه رصاصتها الأخيرة في الشرق الأوسط .
في هذا الصدد أطلق حزب إيران في لبنان حملة إعلامية تدعو المدنيين إلى التبرع لشراء صواريخ ومسيّرات لإستكمال حرب مشاغلة إسرائيل خدمة لمعركة طوفان حماس في غزة.
الحملة الإعلامية تحت عنوان “مسيّرة – ميسّرة”، حثت الناس على أن يكونوا جزءاً من المعركة لمواجهة إسرائيل عبر تمويل تصنيع مسيّرات وصواريخ . وحملت الدعوة توقيع “هيئة دعم المقاومة”.
الملفت في دعوة حزب إيران هو أنها تزامنت مع إعلان الرئيس بري أنه يتواصل مع البنك الدولي والدول الصديقة والشقيقة “للمساهمة بإعادة إعمار جنوب لبنان وما دمرته إسرائيل خلال هذه الحرب”.
فهل هو توزيع أدوار بين الثنائي الشيعي أم تحضير لدور من يقود الشيعة في لبنان في حقبة ما بعد طوفان حماس في غزة ؟
محمد سلام - هنا لبنان