لبنان أسير ترانسفير بالإكراه
قتال العدو حق وواجب. لكن من يهدي عدوه سبباً للاستشراء في أذيته هو إما خائن خبيث أو جاهل خسيس.
قطاع غزة قبل طوفان حماس في 7 تشرين الأول كان عامراً بالسكان والبنيان، لكنه خسر في 200 يوم من القتال، وفق أرقام رئيس مكتب إعلام حكومة حماس بغزة إسماعيل الثوابتة، أكثر من 34 ألف قتيل، و 77 ألف مصاب و95 بالمئة من عمرانه. ومع ذلك تزعم حماس بأنها انتصرت.
لا يحسم موضوع الإنتصار والهزيمة إلا استفتاء الضحايا في قبورهم والمهجرين من بيوتهم إلى خيمهم والمقعدين عن سعيهم إلى أرزاقهم، لنسألهم ما رأيهم بإنتصار حماس والسنوار والملثم أبو عبيدة؟
وكانت وكالة أسوشيتد برس قد نشرت تحقيقاً مقارناً لخسائر إسرائيل وحماس لدى بلوغ الحرب عمر الـ 100 يوم في 15 كانون الثاني الماضي وفقاً للأرقام التي وزعتها حماس وإسرائيل ومراقبين دوليين وهيئات الإغاثة جاء فيها:
– إجمالي القتلى:
عدد القتلى الفلسطينيين في غزة: 23843 .
عدد القتلى في إسرائيل: أكثر من 1200 .
عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية: 347.
– القتلى المدنيون:
حصيلة القتلى المدنيين في غزة جراء الحرب غير معروفة بالتحديد، لكن النساء والأطفال يشكلون ما يقدر بثلثي عدد القتلى.
عدد المدنيين الذين قتلوا في إسرائيل في 7 تشرين الأول : 790.
عدد القتلى من موظفي الأمم المتحدة في غزة: 148 .
عدد القتلى من العاملين في مجال الصحة في غزة: 337 على الأقل.
عدد الصحافيين الذين قتلوا في غزة: 82
خسرت إسرائيل في السابع من تشرين الأول 2023، أي يوم هجوم حماس الشهير، 1،139 شخصاً بينهم نحو 700 مدني ضمنهم 36 طفلاً، ونحو 70 أجنبياً.
في ذلك اليوم اعتبرت حماس أنها انتصرت وصفق لها جمهورها، ولكن بعد مرور 200 يوم على الحرب يصح السؤال: ماذا حققت حماس لقطاع غزة غير “التسبب” بسقوط 34 ألف قتيل، و 77 ألف مصاب وتدمير 95 بالمئة من أبنية القطاع ومؤسساته؟ الفعل نفذته إسرائيل بموجب هدية حماس.
الملاحظ أنه بالقياس أهدت حماس عدوها سبباً للإستشراء في أذية غزة، وتولى الإسرائيلي مهمة تدمير القطاع وقتل أهله وفق معادلة من يهدي عدوه سبباً للإستشراء في أذيته هو إما خائن خبيث أو جاهل خسيس.
وصدر في لبنان بعد هذا التناقض الجدلي المترابط توجهان مقلقان:
– موقف لبناني مقلق
ما يقلق هو أنه بعد مرور أكثر من 200 يوم على دخول حزب الإحتلال الفارسي في الحرب من جنوب لبنان دعماً لحماس “المنتصرة”، صار الحزب يعتبر أنه إنتصر أيضاً لأنّ إسرائيل لن تعيد إلى مستوطناتها الشمالية مواطنيها الذين أخلتهم وأسكنتهم على نفقتها في مناطق آمنة حفاظاً عليهم من نيران الحزب المتخندق في لبنان، ما يطرح تساؤلاتٍ بديهيةٍ:
هل ستعمد إسرائيل إلى هدم بلدات وقرى جنوب لبنان وتهجير سكانه بعمق مساوٍ لعمق مستوطناتها المخلاة من سكانها الذين تحميهم من نيران الحزب بالتزامن مع تعزيز وتوسعة عمليات إغتيال قادة الحزب وحماس؟
من سينفق على إيواء مهجري جنوب لبنان، وتزويدهم باحتياجاتهم من رداء وغذاء وماء ودواء وإيواء، ثم من سينفق على إعادة إعمار جنوب لبنان، وهو ما لن (لن) تؤمن تمويله دول الخليج، كما فعلت في حرب العام 2006، لأنّ المتحكم بالجنوب وبقية الدولة قد بتر لبنان عن الجسد العربي، ولم يلصقه حتى بدار أيتام فارسية.
– هاجس لبناني مقلق:
الهاجس المقلق مصدره بيان حزب الإحتلال الفارسي القائل إنه شنّ قبل يومين “هجوماً جوياً مركّباً بمسيّرات إشغالية وأخرى انقضاضية استهدفت مقر قيادة لواء غولاني ومقر وحدة إيغوز 621 في ثكنة شراغا شمال مدينة عكا، وأصابت أهدافها بدقة”.
عكا، لمن يهمه أن يعلم، تقع على بعد 21 كلم جنوبي بلدة الناقورة الحدودية اللبنانية حيث يوجد المعبر الحدودي إلى فلسطين وقد نبت عليه العشب كما تستضيف مقر قيادة اليونيفل منذ وصولها الأول إلى لبنان في شهر آذار 1978.
إلى الشمال من بلدة الناقورة الساحلية وعلى بعد 21،5 كلم في لبنان تقع مدينة صور الساحلية التي تحتضن ثكنة الجيش اللبناني المعروفة بإسم ثكنة الشهيد الملازم أول بنوا بركات إبن بلدة عين إبل الجنوبية الذي إستشهد في 18 كانون الأول العام 1958 في إشتباك مع عصابات كمنت لآليته في بلدة عرسال البقاعية.
فهل من قبيل الصدفة أن تبعد عكا الساحلية عن الناقورة جنوباً في عمق فلسطين المحتلة نفس المسافة تقريباً التي تبعدها مدينة صور عن الناقورة شمالاً في عمق الجنوب اللبناني؟
وهل هي الصدفة أيضاً أن يوجد قرب عكا ثكنة عسكرية ومقرات قيادة لقوات إسرائيلية قرر حزب الإحتلال الفارسي قصفها كما توجد بالقرب من مدينة صور ثكنة الجيش اللبناني التي تحمل إسم الشهيد بنوا بركات؟
واستطراداً، يُطرح سؤال الهاجس المقلق: ماذا سيكون مصير لبنان إذا تصاعدت وتيرة الحرب عبر جبهة الجنوب وإتسعت دائرتها؟
هل يدرك اللبنانيون أنهم قد يستفيقون يوماً على كابوس ترانسفير سكاني يسمح للنازحين السوريين من ساكني الخيم بالتدفق إلى المدن اللبنانية الخالية من سكانها بفعل حرب نصرة حماس، على أن يلتحق اللبنانيون المهجرون من بلداتهم بفعل الحرب بأولادهم الذين يحتلون بلدات سورية هرب سكانها من عدالة نظام الأسد إلى أمان مخيمات المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في لبنان، إضافة إلى شريحة المهجرين الإقتصاديين الذين فتح لهم نظامهم طريق الهروب إلى رحابة وإزدهار الفساد اللبناني؟
هل سيستفيق اللبنانيون على حقيقة مؤلمة عندما يستورد نظام الأسد بالإكراه العنفي مليوني شيعي من لبنان بغير إرادتهم ليتخلص من مليوني سوري سني لقاء أن تدفع لهم الأمم المتحدة محفزات البقاء في لبنان لا في بلداتهم السورية كما يطالب لبنان.
يبقى أن الظروف جاهزة لترانسفير سكاني في ظل الشغور الرئاسي ما يتيح للراغبين بالتلاعب بمصير البلد أن يبلطوا البحر ويدهنوا الهوا، وفق الحكمة الشعبية القديمة.
السؤال المقلق هو: من سيوافق على بيع ما ليس له ليقبض ما لا يستحقه؟
مرجع سياسي عريق يقول إنه يوجد في البلد “أكثر من مجرد خائن خبيث أو جاهل خسيس جاهز لبيع ما ليس له ليقبض ما لا يستحقه.”
ويضيف: “الحرص على تعميم الشغور قبيح يشمل البلديات والمختارين وكل ما له صفة تقريرية نافذة. ويتم تعميمه منهجياُ لأن غيابه يعزز الترانسفير.”
تصبحون على بلد من دون مهجرين أو مهاجرين.
محمد سلام - هنا لبنان