بين أكوام ملفات الجرائم غير المحلولة لبنان بين سرقة سيارة أو سرقة وطن؟!
كتب محمد سلام في "هنا لبنان": لماذا خُطف باسكال سليمان، ومن خطفه ولماذا قتل ونقل جثمانه إلى سوريا؟
وإذا كان الخاطف المجهول يريد سرقة سيارة منسق حزب القوات اللبنانية في قضاء جبيل ليعيدها لصاحبها لقاء بدل، وهو ما يجري عادة، أو يهرّبها لبيعها في سوريا، فلماذا خطف السيارة ومعها جثمان الضحية إلى سوريا؟
وإذا كان الإعتداء يهدف إلى خطف باسكال سليمان للحصول على فدية لقاء إطلاقه، فلماذا لم تطالب الجهة الخاطفة بفدية؟ وإذا كان المغدور قد قاوم خاطفيه فقتلوه، فلماذا لم يتركوا جثته في مكان معزول بلبنان بل خاطروا بنقلها معهم إلى سوريا؟
قد يكون الخاطفون تعمدوا إلقاء هاتف المغدور في لبنان من دون تعطيل إرساله بقصد تضليل من يتتبعهم، وهذا إجراء احترازي معتمد سواء من قبل “عصابات مافيا” أو “مجموعات تنظيمات إرهابية” أو “أجهزة مخابراتية”، يبقى السؤال الأهم مطروحاً: لماذ نُقل جثمان المغدور إلى سوريا؟ هل أراد من نفذ محاولة الخطف وفعل القتل أن يسلّم إثبات قيامه بمهمته لمن كلّفه بها كي لا يتعرض لعقاب سيده أو لكي يحصل من سيده على ما وعده به لقاء القيام بالمهمة؟
ويقودنا تسلسل التساؤلات إلى السؤال المحوري: من أمر بخطف و/أو قتل باسكال سليمان، ولماذا؟ أي ما الغاية من المهمة؟
إحدى الروايات تناقض جميع الفرضيات وتقول إنّ أحداً لم يأمر بخطف أو قتل باسكال سليمان، ولم يأمر باستهداف قضاء جبيل بذاته، ولم يأمر باستهداف حزب القوات اللبنانية.
الحقيقة باختصار، وفق هذه الرواية، هي أنّ حظّ باسكال سليمان أوقعه ضحية عصابة سرقة سيارات مكونة من سوريين ولبنانيين.
العصابة تعمل في محافظة الشمال وتستهدف تحديداً سيارات حديثة يقودها شخص واحد ولا توجد معه مرافقة.
ما حصل هو أنّ 4 أعضاء من العصابة رشقوا سيارة تقودها سيدة بحجر، لكن السيدة لم تتوقف وتابعت القيادة بسرعة.
وصل بعدها باسكال بسيارته الأودي، رموا عليه حجراً، توقف وتعارك معهم، ضربوه بعقب مسدس على رأسه فغاب عن الوعي ووضعوه على المقعد الخلفي في سيارته التي قادها أحدهم، ألقوا هاتفه من دون تعطيله لتضليل التتبع المحتمل وتابعوا توجههم شمالاً، قصدوا فندقاً مهجوراً في طرابلس لتغيير ثيابهم، عندها اكتشفوا أنّ باسكال قد فارق الحياة، وضعوه في صندوق سيارته وبعدما بدلوا ثيابهم الملوثة بدمائه نتيجة ضربه بعقب المسدس وتوجهوا إلى سوريا بالسيارتين بقصد التخلص من الجثة في الأراضي السورية، وبقي أحدهم في الفندق، وهو من ألقت مخابرات الجيش القبض عليه لاحقاً واعترف على بقية شركائه السوريين. وعبروا إلى سوريا بعد دفع التسعيرة لبارون معبر غير شرعي وهو الذي بلّغ عنهم.
وتمّ لاحقاً استدراجهم إلى لبنان فأوقفتهم مخابرات الجيش مع بقية السوريين الضالعين في عملية الخطف وما زال البحث مستمراً عن شركائهم اللبنانيين المعروفين، وبحقهم عدة مذكرات توقيف بتهم خطف وسرقة وقتل وتهريب.
وكانت مديرية المخابرات قد أصدرت عبر تويتر بياناً ذكر أنه “متابعة لموضوع المخطوف باسكال سليمان، تمكنت مديرية المخابرات في الجيش من توقيف معظم أعضاء العصابة السوريين المشاركين في عملية الخطف… الخ”
تضمن البيان معطيين جديدين: أولهما أنه أعطى تعريفاً للجهة الخاطف بصفتها “عصابة” وكشف أنه تم توقيف معظم أعضاء العصابة “السوريين” ما يعكس حرص النص على عدم إعطاء العصابة صفة سورية، مكتفياً بأنّ من تم توقيفهم يحملون الجنسية السورية.
بانتظار اكتمال التحقيق وتحرك النيابة العامة لمعرفة ما إذا كان أفراد العصابة السوريون هم من المقيمين قانونياً في لبنان، أم هم من المتسللين إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية. وهل هم من عناصر جهاز سوري أم من أتباع تنظيم إرهابي كالقاعدة وداعش وغيرهما؟
باختصار ننتظر القضاء لمعرفة من أصدر قرار هذه المهمة، ولماذا؟
وهل الجريمة التي سقط ضحيتها باسكال سليمان هي مجرد سرقة سيارة وقع ضحيتها بالصدفة أم أنّ المستهدف بها قضاء جبيل بتنوعه الطائفي وعيشه المشترك، أو العيش المشترك الذي تجلى بأبهى صوره السيادية في الإفطار الرمضاني الذي استضافه في معراب الدكتور سمير جعجع وعقيلته السيدة ستريدا يوم الخميس الماضي وضم ما يقارب الـ 550 شخصية دينية وسياسية ونقابية وإدارية وإعلامية من مختلف الطوائف السيادية رحبت بهم عضو الجبهة السيادية الإعلامية الدرزية سامية خداج إبنة قضاء عاليه.
دبلوماسي عربي التقيته في إفطار معراب قال لي بعد كلمة الدكتور جعجع التي شدد فيها على أنّ “من ورط لبنان يتحمل المسؤوليات والتبعات”، ألا تعتقد أنّ وجود جميع هذه الشخصيات المتعددة الطوائف في ضيافة مسيحي ماروني ستثير هواجس المحور؟
سألته: أي محور؟؟
أجاب: يللي ورط لبنان وحيتحمل المسؤوليات والتبعات حسب معادلة الحكيم.
قلت: فعلاً ليس بالأمر البسيط أن تجمع ممثلي هذه الشرائح بطوائفها ومذاهبها وكنائسها في ضيافة زعيم مسيحي ماروني، خصوصاً في حقبتين شديدتي الحساسية: حقبة الشغور الرئاسي، وحقبة الإحتراب الإسرائيلي- الإيراني على أرض لبنان وما تخلّفه من ضحايا ودمار وتهجير… وعدم استعداد عربي أو غربي لمساعدة لبنان على النهوض من الحفرة التي أسقطه فيها محور الممانعة الذي عادى العالم على حساب لبنان.
جثمان الضحية باسكال سليمان أعيد إلى لبنان، وكلفت النيابة العامة طبيبين شرعيين الكشف عليه في المستشفى العسكري، ومن حق عائلة الفقيد بعد استلام الجثمان تكليف أطباء شرعيين بالكشف عليه.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل ستكشف الحقيقة أم ستلحق قضية خطف وقتل باسكال سليمان بأكوام ملفات الجرائم غير المحلولة ؟