هل ستتوقف الحرب في جنوب لبنان؟
وضع غزة، على الرغم من حجم المأساة الإنسانية وتصاعد الخلافات بين طرفي النزاع، يبقى قابلاً للحل، ولو بعد حين، على عكس وضع لبنان، لأن من يحارب إسرائيل على أرض غزة هو من يحكم غزة، فيما وضع لبنان عصيٌّ على الحل لأنّ دولة لبنان ليست هي الطرف الذي يخوض الحرب على أرض لبنان.
فكيف يمكن التوصل إلى تسوية تحقق إنهاء الحرب في لبنان وضمان عدم تجددها، طالما أنّ من يفاوض ليس هو من يقاتل؟
بهذه المقاربة أضاء دبلوماسي عربي رفيع على ما أسماه معضلة الألف عقدة وعقدة في مشهد غزة الداخلي الذي يمكن أن تحل عقده دفعة واحدة عندما يهدد إرتفاع تكلفة المجازر والدمار رضا أهل غزة على حكم حماس والجهاد الإسلامي بعدما قارب الـ 30،631 قتيلاً فلسطينياً و 72،000 مصاب فلسطيني في151 يوماً.
معسكر حماس والجهاد يحتاج أن تعطيه إسرائيل ما يحفظ له ماء وجهه في علاقته مع سكان غزة، وإسرائيل تريد من حماس قائمة بأسماء الرهائن الأحياء، كما تطالب حماس بتحديد النسبة النهائية التي تريدها للسجناء الفلسطينيين مقابل الرهائن الإسرائيليين في أي صفقة تبادل.
ومع ذلك، يقول الدبلوماسي العربي، إنه يمكن حل “هذه المتاهة فجأة لأنّ القبول بالتسوية مرتبط لدى الجانبين بمن يقاتل على الأرض ويمسك بالقرار السياسي في نفس الوقت، فيما الوضع في لبنان لا يوحي بالإطمئنان لأن من يقاتل على أرض لبنان ليس لبناني الولاء، ومن يفاوض باسم لبنان لا يسيطر على سلاح من يقاتل على أرض لبنان”.
حزب الإحتلال الفارسي يريد هدنة في غزة ويتعهد بعدم خرقها من جنوب لبنان، فيما لا يُعتمد تعهده من قبل أعضاء اللجنة الخماسية لأنه مصنّف إرهابياً، ومنفذاً للقرار الإيراني، لا القرار اللبناني.
لبنان الرسمي، على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يقول إنه يثق بتعهدات حزب الإحتلال الفارسي، ولكن لا الدول العربية ولا أميركا، ولا إسرائيل تثق بهذه التعهدات.
أما الدبلوماسي العربي فأوضح أنه في ما يخص لبنان فإن أميركا ومعها عدة دول عربية “تفضل ترسيم حدود لبنان الشمالية والشرقية مع سوريا وإعتماد خط فصل قوات بين جنوب لبنان وشمال فلسطين، بحيث لا يرقى الترسيم إلى السلام مع إسرائيل، ولا يبقى عدم اعتماد خط فصل قوات سبباً لاستمرار القتال أو تجدد الحرب.”
وأضاف: “على أن يُمنع التواجد لأي قوى مسلحة غير نظامية على الجانبين الشمالي (لبنان) والجنوبي (إسرائيل) لخط الفصل”.
والمقصود بهذا الحظر منع وجود مقاتلي حزب السلاح الفارسي في الشريط الحدودي اللبناني ومنع تسليح المستوطنين الإسرائيليين في المستوطنات الشمالية التي يساوي بعدها جنوباً عن خط الفصل بعد نهر الليطاني شمالا عنه.” أي نفس العمق الذي يحظر تواجد حزب السلاح الفارسي فيه وفق مندرجات قرار مجلس الأمن الدولي 1701، بلا زيادة ولا نقصان. وتكلف اليونيفيل والجيش اللبناني بضمان التنفيذ شمالي خط الفصل.
وتقتضي الخطة إستكمال نشر شبكة أبراج المراقبة البريطانية التي يديرها الجيش اللبناني على زاوية مثلث الحدود اللبنانية- السورية- الإسرائيلية من شمال-شرق معبر المصنع الحدودي حتى جنوب-غرب بلدة حاصبيا اللبنانية ما يكشف مسالك تهريب البشر والمقاتلين والذخائر من وإلى بلدة بيت جن السورية حيث تنشط عصابات التهريب والفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني بإشراف من حزب الإحتلال الفارسي.
ولا يبدو في الأفق أي مؤشر جدي لقرب تحقيق هدنة أو وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة سواء لتبادل الأسرى والرهائن أو إحتراماً لشهر رمضان الذي يبدأ بعد أقل من أسبوع، كما تفيد المعلومات بأن تمرير المساعدات الغذائية لغزة براً بعد ما تسببت به الإسقاطات الجوية من نزاعات بين الجياع المتدافعين لإلتقاطها، ستخضع لتفتيش دقيق من قبل الأجهزة الأمنية المصرية قبل تحميلها في الشاحنات وإرسالها إلى غزة، كما يعمل على إختيار مراقبي توزيع يرافقون الشاحنات للتأكد بأن المساعدات تصل إلى أهل غزة ولا تصادرها الحركات المسلحة.
وكان المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين قد أعلن من بيروت التي زارها لبضع ساعات أنّ “الحل الدبلوماسي هو المخرج الوحيد لوقف التصعيد بين لبنان وإسرائيل” مشدداً على أنّ “التصعيد لن يساعد اللبنانيين ولا الإسرائيليين في العودة إلى منازلهم”.
وأكد هوكشتاين على أنّ “أي هدنة في غزة لن تمتد بالضرورة تلقائياً للبنان” بما يناقض ما كان قد تعهد به حزب الإحتلال الفارسي.
وكشف هوكشتاين “أننا نعمل مع شركاء دوليين لتأمين حل سلمي في لبنان”، ما يعكس المقاربة الأميركية- البريطانية- العربية لمسألة إستقرار مديد للوضع على جبهة لبنان الجنوبية التي شهدت نزوحاً كثيفا لسكانها هرباً من غارات الموت والدمار.
في هذا الصدد كشفت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أن العدد الإجمالي للمهجرين من الجنوب بلغ حتى نهاية شهر شباط 91،288 مهجراً، غالبيتهم من قضاء بنت جبيل الذي غادره 47،359 شخصاً وقضاء مرجعيون الذي غادره 30،154 شخصاً. كما غادر من بلدات قضاء صور 9،818 شخصاً.
وكشفت وزارة الصحة اللبنانية أنه لغاية 21 شباط بلغ عدد ضحايا الحرب في الجنوب 195 ضحية، بينهم 42 مدنياً و 3 صحافيين، إضافة إلى 719 مصاباً.
وذكر مركز تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن القصف الإسرائيلي عطّل 8 محطات ضخ مياه ما حرم قرابة 100 ألف مواطن من مياه الشفة.
فمن سيضمن لسكان جنوب لبنان عودة آمنة إلى مناطقهم، ومن سيموّل إعادة إعمار منازلهم المدمرة ومن سيموًل إستصلاح حقولهم التي أحرقها القصف الفوسفوري ومن… ومن، ومن؟
ومن يسأل عن إنتخاب رئيس عتيد للجهورية عليه أن ينتبه إلى أنّ هوكشتاين لم يأت على ذكر الشغور الرئاسي خلال إجتماعاته في لبنان، ربما لأنه لا جدوى من إختيار رئيس اليوم قبل إنجاز التسوية الإقليمية التي لا يُتوقع التوصل إليها قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية المقررة 5 تشرين الثاني المقبل.
محمد سلام - هنا لبنان