بالصور - متطوّع يُطعم الحيوانات المشرّدة ويجمع لها التبرعات على خطّ النار جنوبي لبنان
تغيّرت حياة قاسم حيدر قبل أسابيع، حين صادف كلباً مشرّداً، يأكل قطّة، من شدّة الجوع، في إحدى مناطق الشريط الحدودي في جنوب لبنان.
آلمه المشهد بشدّة، فسارع إلى تيك توك، لتسجيل رسالة مصوّرة، طالباً من كلّ من تتوفّر لديهم فضلات طعام ألا يرموها، بل أن يحتفظوا بها، آخذاً على عاتقه جمعها وتوزيعها على الحيوانات المتروكة.
وحظيت مناشدات قاسم باهتمام كبير، ويقول في اتصال مع بي بي سي نيوز عربي: "بعد نشر رسالتي على تيك توك، نمت تلك الليلة، واستيقظت صباحاً على عشرات الرسائل من أشخاص وصفحات تعنى بالحيوانات، يبلغونني نيّتهم التبرّع بطعام".
ومنذ ذلك الحين، أصبح الشاب يزور البلدات الجنوبية المتأثرة بالقصف، بشكل يومي، لتوزيع الطعام على الحيوانات التي لا يهتم بها أحد، بعدما خلت القرى من معظم السكان.
قاسم هو ابن الجنوب، ويعرف المنطقة وقراها جيداً، ويتنقّل فيها بسيارته على وقع ارتفاع التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل، ومقتل عشرات المدنيين اللبنانيين، بينهم أطفال، في غارات إسرائيلية، خلال الأسابيع الماضية.
وكانت المواجهات بين الجانبين انطلقت على وقع حرب غزّة، وتصعّدت على امتداد الأشهر الخمس الماضية، ما دفع بكثير من سكان الجنوب إلى مغادرة قراهم إلى أماكن أكثر أماناً، فأصبحت المنازل والشوارع في العديد من القرى خالية.
يوزّع قاسم حيدر زياراته بين البلدات على مدار الأسبوع، حتى يتمكّن من تقديم الطعام لكلّ الحيوانات المشرّدة، من قطط وكلاب وحتى طيور.
لا يغادر أي بلدة قبل أن يترك فيها ما يكفي الحيوانات لنحو 3 أيام.
يخبرنا أنّه يكون في الكثير من الأحيان المتجوّل الوحيد على الطريق في البلدات الواقعة على مرمى النيران. ويقول: "في كل الأحوال، الحامي الله".
ويضيف: "هذه أرواح، قد لا يعني الأمر لكثيرين، ولكنه يعنيني بشدّة. لا يمكنني أن أتقبّل مشهد كلب يأكل قطة. لا يمكنني رؤية قطة ميتة من الجوع ولانعدام سبل توصيل الطعام لها".
يقول إن القطط والكلاب صارت تعرفه وتنتظر قدومه، وما أن يصل إلى بلدة ما، حتى تتجمّع حوله، وذلك ما يغمره بسعادة لا توصف.
منذ بداية الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان عام 2019، وخسارة معظم اللبنانيين مدخراتهم في المصارف، وتدهور قيمة الليرة اللبنانية بنحو 98 في المئة بحسب البنك الدولي، تتحدّث جمعيات الرفق بالحيوانات عن أزمة كبرى نشأت بعد تخلّي كثر عن حيواناتهم الأليفة، لعدم قدرتهم على توفير متطلبات العناية بها.
وأطلقت تلك الجمعيات حملات لمساعدة الحيوانات المتروكة لمصيرها، وناشدت الناس لعدم التخلّي عمّن كان يوماً "فرداً من العائلة، ولم يقدّم شيئاً سوى الحب".
يقول قاسم إن معظم الكلاب والقطط الشاردة التي يهتمّ بها حالياً، لم تُترك مع بداية التصعيد العسكري الحالي، ولكنها كانت مشرّدة من قبل.
ووفقا لمعرفته، فإن كثراً ممن تركوا بيوتهم في الجنوب خلال الأشهر الماضية، أخذوا قططهم وكلابهم معهم إلى المكان الذي لجأوا إليه.
يقول إنه تلقّى تبرّعات سخيّة، إذ قدّم أحدهم 20 كيساً من طعام الحيوانات، "وسعرها ليس بقليل"، فيما قرّر متبرّع آخر تزويده بثمن الوقود، كي يتمكّن من التنقّل بسيارته من دون انقطاع.
كثيرون يشكرون قاسم حيدر على مبادرته، ولكنه يتعرّض أيضاً لانتقادات كثيرة من معلّقين على مواقع التواصل، يعتبرون أنه يعرّض حياته للخطر بالتنقّل بين البلدات الحدودية لمساعدة الحيوانات.
أما هو، فيقول إنّه يؤدّي دوراً يراه مهمّاً خلال هذه الفترة: "أهتمُّ بالحيوانات الشاردة، بينما يعمل آخرون على إيجاد مساكن للنازحين، ويهتم آخرون بمساعدة الأطفال".
خلال حديثه معنا، كان قاسم ينتظر خبراً عن قطّة، سمع أنها علقت تحت أنقاض أحد المنازل التي دُمّرت بغارة إسرائيلية الأسبوع الماضي.
يتابع: "لم تغب عن بالي تلك القطّة للحظة، لكني عرفت لاحقاً أنها بخير، وأنها بقيت إلى جانب أحد من كانوا يوثّقون الغارة ويصوّرون الأضرار. كنت مستعداً أن أذهب لمساعدتها".
نسأله إن كان يتعرّض لمواقف خطرة خلال جولاته، فيقول: "ربما أحكي عن بعض المواقف الخطرة التي عشتها خلال زياراتي للبلدات الحدودية، بعد نهاية الحرب، ولكنّي لن أفعل الآن، لكي لا أزيد من قلق أمي".
ويقول إنه سيستمر بالاهتمام بتلك الكائنات "حتى انتهاء الحرب وعودة الحياة إلى طبيعتها في جنوب لبنان وعودة السكان إلى منازلهم".