أي رئيس لأي دولة في لبنان؟
السؤال البديهي ليس: هل يجب إنتخاب رئيس لدولة لبنان؟ بل السؤال هو: أيّ رئيس يجب أن ينتخب لإدارة أيّ دولة على أرض لبنان.
التغيير الجذري في صيغة السؤال ومضمونه فرضهما الإصرار الفرنسي على تجاوز حقيقة دستورية ساطعة وهي أنّ على اللبنانيين أن “ينتخبوا” رئيساً “لا أن يتوافقوا على إختيار رئيس” ثم يعلنون في مشهد سخيف يعرض على خشبة مسرح المجلس النيابي أنّهم “إنتخبوا” من عينوه وفقاً لمحاصصة مريضة لا علاقة لها بمفهوم التنافس الإنتخابي.
والتغيير الجوهري في صيغة السؤال ومضمونه فرضهما إصرار فرنسا على “إبتداع صيغة حل” لمعضلة إنهيار لبنان من دون تحميل أيّ طرف مسؤولية هذا الإنهيار، ومن دون إقصاء أيّ من أطراف تحالف منظومة سلاح الغدر والمال القذر عن المشاركة في السلطة ما يحوّل أعلى مركز في هرم الدولة اللبنانية إلى أشبه بسند تملك عقار من 2،400 سهم لكل طرف فيه حصة بقدر عدد الأسهم التي يحوز عليها.
الموفد الرئاسي الفرنسي جان لويس لودريان أبلغ من إلتقاهم أنّه يقترح عقد مؤتمر في قصر الصنوبر في شهر أيلول المقبل للبحث في “مواصفات الرئيس العتيد” على أن يليه مؤتمر آخر يعقد في موعد وموقع يتفق عليهما ليحدّد “وفق المواصفات التي تنتج عن الاجتماع السابق إسم المرشح الذي يجري التوافق عليه”.
وقال أحد الذين إلتقاهم لودريان إنّ الموفد الفرنسي أوضح “بعبارات دبلوماسية أنّ الرئيس المقبل لن يكون لحزب الله”، ما يعني أنّ فرنسا قد أسقطت نهائياً مبادرتها الأولى التي أيّدت ترشيح سليمان فرنجية، وما يعني أيضاً أنّ فرنسا “تيقّنت أنّ حزب الله لم يعد يملك القوة التي تمكنه من فرض رئيس للدولة” خلفاً للرئيس السابق ميشال عون الذي فرضه سنة 2016 بعدما هندس شغوراً في مقعد الرئاسة الأولى إستمر لـ29 شهراً.
ولكن، أوضح المصدر، “أكّد لودريان أنّ عدم فرض رئيس يريده حزب الله لا يعني أنّه لن يكون للحزب رأي في إختيار شخص الرئيس الذي يتم التوافق عليه”.
العبارة الدبلوماسية التي إستخدمها المندوب الرئاسي الفرنسي تعني بلغة واضحة أنّه سيكون لحزب الله رأيه في إختيار الرئيس، أي سيكون لحزب السلاح الفارسي وفق القاموس السياسي اللبناني حصة من الأسهم الـ2،400 التي يتكوّن منها رئيس لبنان، والتي تتكون منها حصة رئيس لبنان. أي أنّ الحزب سيكون شريكاً للرئيس ليس في القصر الجمهوري فقط، بل أيضاً في المناصب الحكومية كما في الإدارة، ما يحافظ على إمتلاكه لسلاحه، ربما تحت عنوان مطاط كالإستراتيجية الدفاعية التي هي مجرد تسمية أخرى للحشد الشعبي العراقي..
رئيس المجلس النيابي نبيه بري أعلن بعد إجتماعه إلى لودريان في مقر رئاسة المجلس النيابي أن البحث مع المندوب الرئاسي الفرنسي قد “فتح كوة” في جدار الأزمة الرئاسية اللبنانية، علماً أنّ برّي قال أيضاَ في مناسبة ثانية إنّه مستمر في ترشيح سليمان فرنجية!
فهل يكون فرنجية هو “الكوة” بعد إعادة تصنيف تحالفاته السياسية وإخراجه من دائرة حليف نظامي الأسد والولي الفقيه؟
السؤال ينطلق من بيان رسمي فرنسي صدر عشية بدء مهمة لودريان الثانية ويقول صراحة إنها “ترمي إلى إنشاء الأطراف المعنية ظروفًا مؤاتية للتوصل إلى حل توافقي بغية انتخاب رئيس للجمهورية”.
“حلّ توافقي بغية إنتخاب رئيس”!
كيف جمع العقل السياسي الفرنسي بين نقيضين، هما التوافق والإنتخاب؟
والأدهى، بل الأغرب، أن يذكر البيان الفرنسي الرسمي أن جمع النقيضين “يعدّ خطوة أساسية لإعادة تحريك المؤسسات السياسية التي يحتاج إليها لبنان أمس الحاجة من أجل المضي نحو الانتعاش؟
إنتعاش؟
عن أيّ إنتعاش تتحدث باريس؟
ربما عن عائدات شركة النفط والغاز الفرنسية من الثروة النفطية – الغازية التي وعدت بها نتيجة الاتفاق “السيادي” بين معسكر إيران وإسرائيل ما اعتبر إنتصاراً في ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان التي شملت تنازلاً عن جزء من ثروة لبنان الطبيعية.
الإنتعاش اللبناني في القاموس السياسي – المالي – الفرنسي يتعلق بجباية عائدات فرنسا من شركة توتال الفرنسية التي تجنيها من عائدات ما تنازل عنه لبنان من ثروته البحرية، وفق ما أوضحه دبلوماسي عربي شاركت دولته في اجتماع اللجنة الخماسية.
بالعودة إلى السؤال الأول، أيّ رئيس يجب أن يُنتخب لإدارة أي دولة على أرض لبنان.
قد يكون الجواب مهماً، وهومهم فعلاً، لكن الأهم هو معرفة السبب أو الأسباب التي فرضت أو شجعت على طرح السؤال؟؟؟
يقول المثل الشعبي إن لا دخان من دون نار، ودخان الحرائق السياسية في لبنان هذه الأيام كثيف لا أكثف منه إلا عمق الخلاف بين المكونات الطائفية الذي قارب، ولم يتجاوز بعد، حد الجهر بعدم القدرة على متابعة العيش المشترك.
بيان لافت في صياغته، وتوقيته، ومغزاه وحدّته صدر عن تجمع العشائر العربية في لبنان متهماً فرنسا بأنها تتبع سياسة متذبذبة في تعاطيها مع السنة والمسيحيين ما قد يؤدي إلى خسارة “مصالحها المحلية والإقليمية بسبب سياسة قاصرة، تتعامل بها مع العالم العربي على أطلال سايكس- بيكو”.
وحذّر بيان تجمع العشائر العربية “الخارجية الفرنسية من الإستغراق في ارتكاب الأخطاء الاستراتيجية التي تتخبط فيها في الملف اللبناني المعقد، فهي بعدما تعاطت مع المكون المسيحي المعارض على أنّه “في الجيبة”، خسرته، واشتبكت معه إلى حد تهديده “بزوال لبنان وتجريده من رئاسة الجمهورية”، “ثمّ وقع الافتراق بينها وبين “محور الممانعة والتعطيل” الذي برز جليا في خطاب “التعنيف اللفظي” الذي مارسته السفيرة آن غريو بمناسبة عيد بلادها الوطني بوجه الثنائي الشيعي، والردود الأعنف التي رد الأخير بها عليها، وها هو الموفد لو دريان اليوم قد يرتكب نفس الخطأ تجاه دار الفتوى، ويتعامل مع المكون السنّي على أنه بلا رأس، ومهمش ومتروك على قارعة الطريق، في الوقت الذي أثبتت فيه كل التجارب ألا قيامة للبنان من دون الطائفة السنية المؤسسة للكيان اللبناني”.
وختم البيان : “ربما اختلط على الخارجية الفرنسية بأن المفتي (عبد اللطيف) دريان غير الموفد لو دريان، وبالتالي ننصح الخارجية الفرنسية بتدارك هذا الخطأ الفادح، حتى لا تخرج فرنسا من اللعبة اللبنانية وتخسر مصالحها المحلية والإقليمية بسبب سياسة قاصرة، تتعامل بها مع العالم العربي على أطلال سايكس- بيكو”.
من يتابع عدم الإنسجام الخليجي الصامت بين “أهل الساحل وأهل الداخل”، والصراعات الصاخبة بين مكونات ودول الهلال الأخضر لا يستطيع إلا أن يسأل: بعد أكثر من قرن على توقيعها في العام 1916 هل صارت المنطقة على عتبة إتفاقية ترث سايكس بيكو، وإن تحت عنوان “التمسك بإتفاق الطائف” بما يعنيه لجهة التمسك بقيادة سعودية للأمة؟
محمد سلام - هنا لبنان