تداعيات قرار البرلمان الأوروبي
صدر في 5 تموز 2023 القرار الأخير عن البرلمان الأوروبي، والذي ركّز على الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والمالية والنقدية في لبنان. نذكّر بأنّ هذا القرار جاء على خلفية ومتابعة القرارات والإجتماعات التي صدرت منذ الأعوام 2005، 2006، 2010، 2011، 2020، 2021، و2022، وقد كان هذا المنشور تجسيداً لمتابعة الملف اللبناني والأزمة الدراماتيكية الراهنة.
صدر القرار الاوروبي بالتوازي مع تقرير صندوق النقد والبنك الدوليين الأخير، وذكّر البرلمان الأوروبي بأنّ الأزمة الإقتصادية والإجتماعية في لبنان لم يشهد العالم مثيلاً لها، وشدد على أنها أزمة متعمّدة.
كذلك شدّد القرار على أنّ مَن يدفع ثمن هذا التدمير المُبرمج والمُمنهج هو الشعب اللبناني، مطالباً بالتدقيق والملاحقة وتحديد المسؤوليات بكل شفافية.
كما يُذكّر البرلمان الأوروبي بأن لبنان خسر أكثر من 95% من قيمة عملته الوطنية وأكثر من 85% من الودائع، وعلى رغم هذا التدهور المالي والنقدي، لم يحصل حتى الساعة أي ملاحقة، واضحة وبارزة، من قبل الطبقة السياسية، التي تتحمّل المسؤولية المباشرة وغير المباشرة، لهذا التدمير الذاتي.
كذلك، ذُكر في التقرير عن آثار أكبر انفجار حصل في العالم، في 4 آب 2020، والذي دمّر العاصمة بيروت والإقتصاد الوطني، وحتى هذه الساعة هناك شلل وتجميد للتحقيقات، مشدداً على محاولة إحباط ملف القاضي طارق البيطار وطَمر الحقيقة تحت الأنقاض، مطالبين بمتابعة هذا التحقيق الأساسي، وتحديد المسؤوليات.
أمّا الأمر اللافت والخطِر والمُكلف للبنان واللبنانيين فقد ورد في الفقرة 13، عندما أُثير موضوع النازحين السوريين، حيث اشتعلت نيران الربيع العربي، وتطورت إلى حرب أهلية في سوريا، والتي وَلّدت أزمة النازحين. وقد تَوجّه القسم الأكبر منهم الى لبنان، وطالبوا أن يؤدي لبنان دوراً إنسانياً من دون الإجبار والضغط على العودة قبل الإستقرار التام.
هنا، من المهم أن نذكّر ونشدّد على أنه يستحيل على أي بلد في العالم أن يستقبل أو يتحمّل زيادة بنسبة 40-50% من سكانه مهما كانت أصولهم، حتى لو كانوا من أبنائه. ليس علينا أن ننظر إلى هذه الأزمة من الجهة السياسية، الأمنية، المذهبية والطائفية، لكن علينا أن نُركز على الشق الإقتصادي والإجتماعي، إذ لا يُمكن لأيّ بُنى تحتية في أي بلد أن تتحمّل عبء شعبَين.
والإقتصاد اللبناني الذي انخفض من 50 مليار دولار إلى نحو 20 ملياراً في الوقت الحالي، وهو لا لم يعد يكفي لـ 5 ملايين لبناني، كيف سيتحمّل عبء 7 ملايين مُقيماً؟ هذا يعني أننا نتجه إلى إفقار الشعب أكثر فأكثر.
من جهة أخرى، إذا ركّزنا على قطاع الكهرباء المهترئ الذي لا يستطيع أن يؤمن أكثر من ساعتين تغذية في الـ 24 ساعة لخمسة ملايين لبناني، فإذا ازداد عدد السكان إلى 7 ملايين شخص وأكثر، فهذا يعني أن التغطية ستقل إلى ساعة يومياً أو إلى الظلام الشامل.
وكم بالحَري إذا ركّزنا على المدارس والجامعات الرسمية المنهارة، وعلى الطرق والمياه والإتصالات، وكل البنى التحتية المعدومة التي لا تستطيع تأمين الحدّ الأدنى من الخدمات الإنسانية البديهية للسكان المحليين؟ فماذا إذا إزداد عدد السكان بنسبة 40-50 % فهذا سيؤدي إلى انعدام البنى التحتية نهائياً.
إضافة إلى ذلك، نذكّر أيضاً بالقطاع الصحي والمستشفيات الرسمية وحتى البلديات، التي لا تستطيع تأمين أقل من عدد السكان المسجونين والمحرومين والمفجوعين، فكيف يؤمّن طلبات الأزمة إذا ارتفع عدد السكان بهذه الطريقة الدراماتيكية.
في المحصّلة، نذكر ونشدد على أن مخاوفنا وقلقنا لا يتعلقان بجنسية اللاجئين أو أصولهم لكن بالشأن التقني، الإجتماعي والإقتصادي، وعدم تمكّننا من تلبية أقلّ الحاجات الإنسانية البديهية. أما لمن يتساءل لماذا يتدخل البرلمان الأوروبي بالشأن اللبناني، نذكّر بأسف وخجل أن المسؤولية تقع على اللبنانيين الذين يقرعون بابه كل لحظة لِتسوُّل المساعدات أو للمساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية، أو لتكليف رئيس لمجلس الوزراء، أو لتسمية بعض الوزراء. مرة أخرى المسؤولية المباشرة تقع على المسؤولين اللبنانيين غير المسؤولين الذين يجذبون إليهم التدخل الأوروبي المباشر، لبلدنا المستقل والسيادي.
فؤاد زمكحل - الجمهورية