هل يصلح السوداني ما أفسدته طهران؟
كثيرة هي الإهتمامات المشتركة وتقاطعات المصالح التي يمكن أن تجمع دولتين متجاورتين كسوريا والعراق في مجالات الإقتصاد والنقل والتجارة والسياحة والمياه ومواجهة آثار التغير المناخي، وكثيرة هي المصطلحات والمفاهيم التي تفرضها الجغرافيا ويفرضها التاريخ المشترك والتي يمكن البناء عليها لإطلاق الخطط والاستراتيجيات في ميادين عديدة تحقق المصالح المشتركة للدولتين. لكن تشديد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على «أن بسط سيطرة الدولة السورية على كامل أراضيها مسألة تهم الأمن القومي العراقي وأنّ أي جيب خارج عن السيطرة هو بقعة مرشحة لتهديد العراق والمنطقة « يؤكد أنّ الهواجس الأمنية والمخاطر المترتبة على عدم سيطرة النظام السوري على حدوده مع العراق تقع في رأس سلم الأولويات.
تتشارك الدولتان حدوداً بطول 600 كلم في مناطق غالبيتها صحراوية ويشكّل ملف أمنها قضية أساسية بينهما، لا سيما في ما يتعلق بتهريب الأسلحة والمسلحين وتجارة المخدرات، وقد شكّلت هذه المواضيع الإلتزامات الأساسية لإعادة العلاقات العربية مع دمشق. لم تحجب المقدمات المنبرية التي واكبت اللقاء بين الأسد والسوداني الهدف الرئيس للزيارة وهو ملف الحدود العراقية – السورية، ووقف عمليات تسلل المسلحين وشبكات تهريب المخدرات من الجانب السوري الى العراق، وضرورة تفعيل الجانب الأمني والإستخباراتي ما بين بغداد ودمشق».
لم تأتِ زيارة رئيس الوزراء العراقي في سياق طموح منفصل عن سلسلة من الخطوات العربية التي بدأت بإجتماع عمان التشاوري الذي ضم وزراء خارجية سوريا ومصر والعراق والسعودية والأردن في الأول من شهر أيار/ مايو 2023، ليتخذ بعدها مجلس جامعة الدول العربية في 7 أيار/ مايو إثر اجتماع غير عادي على مستوى وزراء الخارجية قراره بـــ»إستئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في إجتماعات مجلس جامعة الدول العربية. وبهذا يمكن القول إن زيارة السوداني الى دمشق ليست سوى زيارة متابعة لما خلص الإجتماع التشاوري في ثلاثة مسائل أساسية:
أولها، دعم سوريا ومؤسساتها لبسط سيطرتها على أراضيها وفرض سيادة القانون وإنهاء وجود الجماعات المسلحة والإرهابية، ووقف التدخلات الخارجية في الشأ ن السوري، وثانيها، تعزيز التعاون بين النظام السوري ودول الجوار وتشكيل فريقي عمل من سياسيين وأمنيين من كل من سوريا والأردن والعراق لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها والجهات التي تنظم عمليات التهريب عبر الحدود. وثالثها إيجاد بيئة مناسبة لتسهيل العودة الطوعية والآمنة للنازحين واللاجئين إلى مسقط رأسهم عبر عملية تدريجية ومنهجية بإشراف المفوضية الأممية، ومنحها حق الوصول الكامل الى المناطق المعنية.
تقع المسائل الثلاث المتعلقة بالحدود وتهريب وتصنيع المخدرات والسلاح غير الشرعي في صلب اهتمام وهموم معظم اللبنانيين، كما في صلب الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان وتشابكاتها على صعيد بسط سلطة الدولة وتحقيق السيادة الكاملة على أراضيها وحدودها ومسألة سلاح حزب الله، وقد يكون في معاناة العراقيين واللبنانيين الكثير من الدروس المستخلصة.
لم يخرج لقاء دمشق بين السوداني والأسد بأي بيان ختامي يتعلق بالمسائل المطروحة مما يوحي أن مقررات لقاء عمان ليست في وارد التنفيذ، وأن قدرة سوريا على إلتزام ما تعهدت به ليست متاحة، فالنظام لا يملك حرية الخيار والقرار في مسائل تتعلق بالنفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة والتي أضحت مرتبطة برزنامة طهران وعلاقاتها المتشابكة على المستويين الإقليمي والدولي. وربما في هذا الإطار يمكن قراءة تنحي وزير الخارجية عبدالله بوحبيب عن رئاسة الوفد الوزاري المكلف بالإتصال والتباحث مع السلطات السورية لمعالجة أزمة اللاجئين، كما أن ما ورد في بيان وزارة الخارجية اللبنانية حول أسباب التنحي ومنها إجتماع اللجنة الوزارية العربية، المنبثقة عن إجتماع عمان بشأن الحوار مع سوريا في منتصف شهر أغسطس/ آب المقبل ليس منطقياً لأن مسألة اللاجئين السوريين تقع في صلب مهمة هذه اللجنة وفي صلب مهمة رئيسها.
إن تحديد موعد لزيارة الوفد الوزاري اللبناني الى سوريا يتجاوز قدرة الوزير بوحبيب، كما أنّ تأكيد الوزير عصام شرف التعاون الإيجابي من قبل سوريا دون أية إجراءات تنفيذية ليسا سوى وجهين لغياب السلطة والسيادة الوطنية في لبنان . فهل ينجح رئيس الوزراء العراقي حيث فشل اللبنانيون وهل يصلح السوداني ما أفسدته طهران في سوريا.
العميد الركن خالد حماده - اللواء