حقائق سوداء في قرنة بيضاء
هل هناك من تعمّد إرباك اثنين من أبرز ثلاثة مرشحين لموقع رئاسة الجمهورية اللبنانية بإرتدادات جريمة القرنة السوداء عبر محاولة إطلاق “بيئة فتنة” سنية-مارونية تحرم قضاء الضنية من تحقيق قفزته التاريخية وتحاول إفشال حلمه بإيصال إبنه جهاد أزعور إلى قصر بعبدا، وتشغل قائد الجيش العماد جوزاف عون بلملمة مخلفات القتل من دون أن تتلطخ جهوده بحظر يحول دون الإضاءة على جرائم يسمع الأصم صراخ ضحاياها وتعمى البصائر عن رؤية قتلاها وتخرس الألسن عن النطق بفظائعها.
ويبقى البلد أسيرا لازمة نفاق تصر على أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، علماً بأن الفتنة إياها ليست مستيقظة فقط، بل مُمارسة بأبشع صورها مقرونة بأكذوبة تقول أن ما يجري من موبقات ليس من أخلاقنا ولا من مبادئنا، علماً بأنه من صلب ممارساتنا.
جرياً على ما تعودناه وأدمنّاه، لن تُعرف حقيقة من قتل من في القرنة السوداء، ولماذا، ومن المستفيد، تماماً كما لم يعرف من قطع كابل التيليسكي لإنزال الضرر بمصالح أهل بشري على أبواب موسم التزلج في تشرين الثاني الماضي (2022) ولماذا؟ وكيف تم القطع علماً بأن موقع “نيوزفوليو” ذكر أنّ فرق مخابرات الجيش والأدلة الجنائية عاينت مكان التعدي على محطة التلسكي على ارتفاع 2800م عن سطح البحر، ووفق النتائج الأولية للتحقيق تم قطع الكابل عبر إطلاق النار عليه باستخدام “اسلحة متوسطة”! أهم ما في الخبر هو أنه لم يصدر له أي نفي من قبل الجيش اللبناني والأدلة الجنائية التي نسب إليها.
وتردد أن الرصاصة التي قتلت ابن بشري هيثم طوق هي من نفس عيار الذخيرة التي أطلقت على رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لدى محاولة اغتياله عن بعد بإطلاق 3 رصاصات عليه من بندقية قنص عيار 12،7 ملم من مسافة قاربت الـ 600 متر أثناء تجوله في محيط منزله بمعراب في 4 نيسان 2012. وقد عثر في حينها على “وكر القنص” في غابة تشرف على منزل الدكتور جعجع.
وإذا تم تأكيد المعلومة التي تقول أن الرصاصة التي قتلت الضحية هيثم طوق هي من نفس العيار الذي استخدم في محاولة إغتيال الدكتور جعجع، تسقط نظرية إصابة الراحل عن مسافة لا تتجاوز الـ 20 متراً، ويفتح المجال لمقارنة الرصاصة القاتلة بمخلفات الرصاص الذي قطع كابل التيليسكي السنة الماضية لتحديد ما إذا كان من نفس العيار، ما يوحي بأن “مدرسة القتل والقطع” واحدة.
وتردد من ضمن سيل الأنباء التي واكبت جريمة القرنة السوداء أن نائب رئيس بلدية بقاعصفرين أوقفه الجيش من اللحظة الأولى التي تلت الجريمة لأنه يعرف المسلحين الذين يتحركون في المنطقة، فهل يعني ذلك أنه يوجد في الضنية مسلحون من خارج المنطقة، وإذا كان هذا الإستنتاج صحيحاً فمن هم هؤلاء ولمن يتبعون؟
كما تردد أن نائب رئيس بلدية بقاعصفرين أوقف لأن هناك من يزعم بأن اسمه ورد ضمن ملف التحقيق في قضية قطع كابل التيليسكي الذي لم تعلن نتيجته، علماً بأن بقاعصفرين أعلنت الحداد العام تضامناً مع جارتها بشري.
السؤال المقلق هو: هل صحيح أنه يوجد في أعالي جرود الضنية “مزرعة” فيها إسطبلات وخيول وعدد غير قليل من “العمال” وتظهر على سطحها هوائيات تستخدم لالتقاط شبكة إنترنت فضائية، وصحون لاقطة ولديها مولدات كهربائية وخزانات وقود؟ علماً بأنه تتعذر الحياة في جرود الضنية في فصل الشتاء.
الوجود المزعوم لخيول وإسطبلات في جرد الضنية يذكّر بما كان بعض اللبنانيين المشبوهين المطرودين من أستراليا يحاولون بناءه في عقار ببلدة كفرقاهل بالكورة وتم وقفهم وسحب الترخيص منهم من قبل رئيس البلدية العميد المتقاعد نزار عبد القادر بعد فشل عدة محاولات لوقفهم عن مخالفة رخصة البناء الممنوحة لهم وإهانتهم لدوريات قوى الأمن وبعض الرموز الدينية.
وكان العميد عبد القادر قد ذكر في مقابلة تلفزيونية أن ممثلاً لحزب السلاح كان يرافق المشبوهين ويضغط لوقف ملاحقتهم عبر الدوائر الرسمية.
وفي تطور لا يبدو بعيداً عن مسرح القرنة السوداء عرض رئيس المجلس النيابي نبيه بري يوم الثلاثاء “الأوضاع الأمنية وشؤون المؤسسة العسكرية خلال إستقباله قائد الجيش العماد جوزاف عون”. وفق ما صدر عن إعلام عين التينة، ما يطرح جدياً السؤال التالي:
ما الذي طرأ كي يبحث عماد الجيش مع أحد ركني “الثنائي الشيعي” الأوضاع الأمنية وشؤون المؤسسة العسكرية فيما الجيش منهمك بلملمة مخلفات وذيول جريمة القرنة السوداء؟
الإجابات عن سيل التساؤلات غير متوفرة حالياً، وقد تتوفر فقط إذا صدر قرار ظني أو إتهامي عن النيابة العامة، لكن الحقيقة ستعرف من دون إعلان كما هو المتبع.
في الدول المحترمة عندما تصدر المحكمة حكماً في قضية خلافية يقول القاضي بعد تلاوة القرار: “خُدمت العدالة” Justice was served.
في لبنان الحقيقة تُعرف، ولو بعد حين، ولكن هل تُخدم العدالة؟
الجواب متوفر عند أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، وعند أهالي كل الشهداء الذين قتلتهم تفجيرات الغدر..
محمد سلام - هنا لبنان