إيران: خلافة خامنئي بين نجله والطامحين الكُثر
في معرض حديثه عن الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستجري بعد نحو تسعة أشهر، أشار المرشد الأعلى للنظام الإيراني السيّد علي خامنئي إلى أنّه سيترك الحديث بالتفصيل عن هذا الموضوع للأيام المقبلة "إذا أعطاه الله العمر".
هذه الإشارة التي صدرت عن المرشد خلال إحياء ذكرى رحيل المؤسّس الإمام الخميني، كانت كافية لإعادة إشعال الجدل في وضعه الصحّي، وفتح موضوع الخلافة وشخصية المرشد المقبل أو القائد الثالث للثورة والنظام، والمسار الذي سيأخذه الجدل في آليّات هذا الانتقال السياسي الأساسي والمفصليّ الذي سيرسم مستقبل إيران، والذي لن تكون منطقة غرب آسيا والمعادلات الإقليمية بعيدة عن تأثيراته، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنيّاً وعسكرياً.
في حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله، يتولّى الخبراء بأسرع وقت تعيين القائد الجديد وإعلان ذلك
قد يكون المرشد الإيراني أكثر شخصية قُدِّر لها متابعة ورصد الجدل الدائر حول حياتها وخلافتها، سواء في الداخل الإيراني أو في مراكز القرار الإقليمية والدولية، ومحاولة كلّ هذه الأطراف ترتيب مواقفها ووضع استراتيجيّاتها بناء على التقديرات التي وضعتها لحياة المرشد ولمرحلة ما بعد خامنئي.
ما هو دور نجل المرشد مجبتى؟
بدأ الحديث مبكراً عن إمكانية انتقال قيادة النظام والثورة إلى نجل المرشد الثاني مجتبى، خاصة بعد الكشف عن الأدوار التي يقوم بها في إدارة العديد من الملفّات. وقد ارتفعت وتيرة هذا الاعتقاد بعدما كشف المرشد نفسه أنّه فوّض نجله متابعة العلاقة مع مؤسّسة حرس الثورة التي تُعتبر المدافع الأوّل عن الثورة والنظام وموقع الوليّ الفقيه بناء على ما جاء في عقيدتها السياسية والعسكرية ونتيجة بنائها الأيديولوجي الذي قامت عليه.
على الرغم من المحاولات التي بُذلت للترويج لفكرة انتقال القيادة من المرشد إلى نجله، والسعي إلى تحويلها إلى أمر طبيعي من خلال التركيز على هذا الانتقال وترك الجدل فيها يأخذ مداه السياسي والعقائدي داخل قوى النظام المحافظة، وبين القوى المعارِضة في المؤسّسة الدينية أو القوى السياسية الإصلاحية والمعتدلة. إلا أنّ حصول هذا الانتقال قد لا يكون مستبعداً في حال رأت منظومة السلطة والدولة العميقة أنّ مصلحتها التي هي مصلحة النظام تقتضي هذا الأمر. وستعمد إلى هذه الخطوة مع الأخذ بعين الاعتبار ما قد يحصل من جدل في أزمة التوريث أو ما قد يصدر عن المؤسّسة الدينية في شأن الأهليّة العلمية والفقهية والسياسية لمجتبى.
أحلام الخلافة متعدّدة
في المقابل، يراود طموح "الخلافة" العديد من القيادات في التيار المحافظ من جميع أطيافه المعتدلة والمتشدّدة، وتتّسع مروحة المرشّحين أو الذين يجدون في أنفسهم الأهليّة لتولّي هذا الموقع والخلافة، وتشمل رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي الذي يعتقد مناصروه أنّ تولّيه موقع رئاسة الجمهورية خطوة على طريق تأهيله لهذا المنصب. إلا أنّ رئيسي قد يواجه أزمة طموحات والد زوجته إمام الجمعة في مدينة مشهد أحمد علم الهدى، الذي يدفع باتّجاه ممارسة المزيد من التشدّد على جميع المستويات لتأكيد أهليّته الدينية لتولّي هذا الموقع.
يدخل في هذا السباق رئيس مجمّع تشخيص مصلحة النظام الشيخ صادق آملي لاريجاني الشقيق الأكبر لرئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، إلا أنّه يواجه رفضاً حادّاً من الجناح المتشدّد أو من يُسمّون المحافظين الجدد أو جماعة "ثابتون" التي يمثّل الشخصية الأبرز بينها في هذه المرحلة سعيد جليلي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الأسبق الذي ينسّق مع الرئيس الأسبق للجمهورية محمود أحمدي نجاد الذي يُعتبر الزعيم غير المعلن لهذا التيار الذي يرأسه وزير داخليّته صادق محصولي. وهو جناح يؤكّد استعداده للدفاع إلى أقصى الحدود عن النظام الإسلامي، إلا أنّه لا يلتزم بالكامل بتوجيهات الوليّ الفقيه أو المرشد والقائد، وهو حتى الآن لم يعلن أو يعطِ إشارات إلى الشخصية التي يدعمها لتولّي موقع الخلافة، خاصة بعد وفاة الأب الروحي لهذا التيار والمقرّب من المرشد الشيخ مصباح يزدي.
قد يكون المرشد الإيراني أكثر شخصية قُدِّر لها متابعة ورصد الجدل الدائر حول حياتها وخلافتها، سواء في الداخل الإيراني أو في مراكز القرار الإقليمية والدولية
أمّا القوى الإصلاحية فإنّ آمالها في المنافسة على هذا الموقع تراجعت كثيراً ضمن الأطر الطبيعية، خاصة بعد خروج الرئيس حسن روحاني من موقع رئاسة الجمهورية، وصعوبة الدفع بالرئيس محمد خاتمي إلى هذا السباق بسبب أنّ قوى الدولة العميقة أو منظومة السلطة قد تذهب إلى تفجير المشهد في حال شعرت أنّها قد تخسر السلطة لصالح القوى الإصلاحية.
في ظلّ هذا التعقيد الذي يعيشه النظام في مسألة الخلافة، وعلى الرغم من تأكيد بعض القيادات أنّ الأمور "تحت السيطرة" وأنّ المرشد وضع لائحة من ثلاثة أسماء من المفترض أن يقوم مجلس خبراء القيادة باختيار واحد منها ليكون خليفة له في موقع القيادة، إلا أنّ أكثر الترجيحات وبعض النقاشات التي تدور في كواليس مراكز القرار المعنيّة بموضوع الخلافة، تضع إمكانية الذهاب إلى تشكيل مجلس قيادة على طاولة الاحتمالات والخيارات المطروحة، خاصة أنّ الدستور الإيراني في المادّة 111 يقول إنّه "في حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله، يتولّى الخبراء بأسرع وقت تعيين القائد الجديد وإعلان ذلك. وحتى يتمّ إعلان القائد، يتولّى مجلس شورى مؤلّف من رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، وفقيه من مجلس صيانة الدستور، منتخب من قبل مجمّع تشخيص مصلحة النظام، جميع مسؤوليّات القيادة بشكل مؤقّت. وإذا لم يتمكّن أحد المذكورين من القيام بواجباته في هذه الفترة (لأيّ سبب كان) يعيَّن شخص آخر في مكانه، بقرار يتّخذه مجمّع تشخيص مصلحة النظام بأكثرية الفقهاء فيه".
تذهب بعض التوقّعات إلى إمكانية أن تقوم منظومة السلطة ومراكز القرار، خاصة مؤسّس حرس الثورة، بالتوسّع في تطبيق هذه المادّة، وتعمد إلى تحويل القيادة إلى مجلس قيادة جماعية، مع توسيع المشاركين فيه وعدم اقتصاره على الشخصيات الثلاث التي حدّدتها المادّة الدستورية، وهو إجراء إن حصل يسمح بإدخال نجل المرشد الحالي مجتبى إلى هذا المجلس، ومن الممكن أن تُمنح له صلاحيّات أوسع من غيره من الأعضاء، خاصة من ممثّلي الحرس الذين سيكونون جزءاً من هذا المجلس بحكم الأمر الواقع وتحكُّمهم بالقرار وإمساكهم بمفاصل النظام والدولة.
فلاح الحسن