الهلال بين الصواب والضلال
لماذا تتكتم فرنسا على مهمة مندوبها الرئاسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان إلى درجة إصدار بيان عن سفارتها يعلن أنه “لن يتم توزيع جدول لبرنامج زيارة المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، جان إيف لودريان… ولن يكون هناك أي مؤتمر صحافي له”؟!
هل تخشى فرنسا من أن يكون الفشل هو مصير مبادرتها الثانية حيال معالجة الشغور الرئاسي اللبناني بعدما تهاوت محاولتها الأولى التي استندت إلى “مقايضة شراكة” تجمع رئيساً مسيحياً مارونياً للجمهورية يرشحه محور الممانعة الشيعي إلى رئيس للحكومة مسلم سني ترضى عنه المعارضة.
نتائج جلسة 14 حزيران النيابية كشفت أن سليمان فرنجية، مرشح الممانعة الشيعية المدعوم بخوارج من حلفاء حزب السلاح الفارسي ونظام بشار الأسد، تخلّف في الـ 51 صوتاً التي حصل عليها عن جهاد أزعور، مرشح تقاطع المعارضة الذي حصل على 59 صوتاً من نواب يمثلون غالبية التوجهات المسيحية والسنية والدرزية المعارضة فيما تشتتت أصوات بعض المعارضين المغردين من خارج أسراب الأغلبيات وحصل المرشح زياد بارود على 7 أصوات وقائد الجيش العماد جوزف عون على صوت واحد.
النتيجة، على الرغم من ضبابية مضامين الشغور التي أوحت بها وانشغال كثر في محاولة تفكيك رموزها وتركيب مشاهد فرضية لمساراتها، ىسلطت الضوء على الفشل المؤكد للمبادرة الفرنسية الأولى.
وعلى الرغم من تأكيد فشل الإنطلاقة الفرنسية الأولى، بقيت مهمة لودريان مادة جدل أشبه بسباق بين سيل من التوقعات المحلية الرافضة لإمكانية أي فشل فرنسي ثانٍ إلى أن صدر بيان السفارة الفرنسية الذي فرض تعتيماً إعلامياً على مهمة لودريان، ما لم يقطع سبل التنافس اللبناني لابتداع فرضيات بناء على معطيات، بل فتح الباب واسعاً أمام جدل الجهل الأقرب إلى التنجيم بعدما أسدلت الستارة على مشهد فشل الرئيس إيمانويل ماكرون في مقاربته اللبنانية الأولى.
في المؤكد قبل إسدال الستار الإعلامي الحديدي على زيارة لودريان أن مهمته هي حصراً “بحث عن حقائق” أي لا تحمل أي اقتراح فرنسي له علاقة بالأزمة اللبنانية، بل هي عملياً مهمة استطلاع آراء اللبنانيين حيال صيغة حل يمكن أن يكتب لها النجاح محلياً شرط أن تكسب تأييداً عربياً ودولياً يتجاوز العقبة في الأداء المتمثلة بإصرار المحور الفارسي-الأسدي على رفض مبدأ التنافس لانتخاب رئيس وتأليف حكومة، والإصرار على “التوافق” على رئيس ورئيس حكومة، بما يدفع إلى الإعتقاد بأن محور الممانعة يسعى إلى تسوية سياسية تعيد هيكلة النظام اللبناني بما يقسّم السلطة وفق مبدأ المثالثة بدلاً من المناصفة الثنائية المسيحية – المسلمة.
تتطابق الرؤى لدى مصادر عربية وغربية وإقليمية ومحلية أيضاً على اعتبار أن السعي إلى تسوية لإقرار المثالثة هو مشروع حرب، قد تندلع أهلية وتتوسع لتصير إقليمية، يليها طاولة حوار للبحث في تسوية…
لماذا لا ينطلق الحل من البحث في التسوية بدلاً من الذهاب إلى حرب للوصول إلى تسوية؟
لأن التسوية بمفهومها السياسي لا تصير خياراً واقعياً متاحاً إلا بعد أن يتساوى أطراف النزاع في الهزيمة.
فمن يسعى إلى حرب تنتهي بهزيمة كي يفوز بتسوية؟
هذا هو السؤال الذي يتردد في الدوائر المغلقة ضمن أجواء من الحوارات والتحاليل والعصف الفكري تتقاطع على ما يقارب أن يكون قناعة لكن لا يريد أحد أن يتحمل أحد مسؤولية إعلانها:
لبنان الكبير انتهى. البلد ذاهب إلى مكان، أو أماكن أخرى، يحدد كل منها الدور الذي سيعطى لشريحة ما، أو لتحالف شرائح ما، تستطيع أن تتفق على سياق يؤمن لها عيشاً إجتماعيا متناسقاً، يؤهلها للقيام بدور شامل بصفتها حلقة ضمن سلسة كبرى.
القرار الصادر عن ديوان المحاسبة الفرنسي الداعي إلى مراجعة مقاربة المساعدات التي كانت تدفع إلى لبنان والذي سيتبعه الإتحاد الأوروبي حتماً وقد سبقه عرب الخليج، هو مؤشر إلى درجة لبنان على باروميتر القلق الدولي من أداء هذا الكيان الذي صار وجوده على ما هو عليه مصدر تهديد جدي لما حوله.
بالعودة إلى لودريان، الواضح أنه سيلتقي شخصيات لبنانية، ليسألها عن آرائها في برامج وأدوار الشخصيات المسيحية-المارونية الأربعة التي حصلت على نتائج في انتخابات 14 حزيران، وليسألها عن آرائها في برامج وأدوار وإمكانية انسجام شخصيات سنية مع أي من الموارنة الأربعة، ومدى – وهنا الأهم – قدرة هذا الإنسجام على التلاقي مع الوجهات الدولية الكبري لتضع لبنان حلقة في سلسلة سياساتها.
الوضع ضبابي جداً، لكن الواضح الوحيد ضمن هذه الغيوم الداكنة هو أن “دور” لبنان الكبير انتهى.
فهل سيتم إيجاد دور جديد للبنان، أم أدوار جديدة لـ “لبانين”… وأي لبانين ستولد من حمل هلال (العراق- سوريا- لبنان) الذي يغلي منذ 100 عام ودخل حقبة المخاض بآلامها وصراخها ودمائها؟
محمد سلام - هنا لبنان