من سيخرج لبنان من معتقل المرشد والأسد؟
في 16 تشرين الثاني العام 2011 علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا في منظومة العمل العربي المشترك لأنها لم تنفذ خطة السلام العربية التي كانت قد وافقت عليها في 2 من الشهر نفسه والتي نصت على سحب الدبابات من المدن ووقف عمليات القمع الوحشية للمتظاهرين السلميين والبدء بحوار مع المعارضة في غضون أسبوعين.
لكن نظام الأسد نكث بوعده بعد 4 أيام بالضبط، وفي 6 تشرين الثاني قتلت قواته 23 متظاهراً، ما كشف حقيقة التزام نظام الأسد بوعوده.
وبحلول 13 تشرين الثاني إرتفع عدد المتظاهرين السلميين الذين قتلتهم قوات النظام منذ وافق على خطة السلام العربية إلى 300 قتيل.
وكرّر العرب مع نظام الأسد تجربة المجرب… وفي 19 كانون الأول من العام 2011 وقعت سلطات دمشق على خطة سلام ثانية مع جامعة الدول العربية نصت على انسحاب جميع المسلحين من الشوارع وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وانتشار 50 مراقباً من جامعة الدول العربية لمتابعة التنفيذ وإلتزام الحكومة والمنشقين ببنود محادثات السلام.
لكن مهام المراقبين فشلت لعدم إلتزام النظام بأيٍّ من البنود المتفق علها وفي 28 كانون الثاني 2012، علّقت جامعة الدول العربية مهمتها المتعلقة بالرصد بسبب تصاعد أعمال العنف الناجمة عن عدم التزام قوات النظام بأيٍّ من البنود المتفق عليها…
لكن، وعلى الرغم من تردي الوضع الأمني واشتداد المعارك وتردد معلومات عن ارتكاب مجازر بحق المدنيين وهروب مئات الآلاف من سوريا إلى الدول المحيطة، انتخب 125 ألف “لاجئ” سوري في سفارة بلادهم بمنطقة اليرزة بلبنان في 29 أيار العام 2014 بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية، فهل عاد الذين انتخبوا الأسد في لبنان إلى دولة الأسد أم بقوا في لبنان وازداد عددهم حتى وصل إلى مليونين و 800 ألف لاجئ تفضل الدولة اللبنانية إطلاق صفة نازحين عليهم؟
بعد 9 سنوات، وتحديداً في 7 أيار الجاري (2023) اتّخذت الجامعة العربية قراراً باستعادة سوريا إلى حضنها وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يدعو إلى حل سلمي للأزمة السورية.
كما تضمن قرار استعادة سوريا إلى الحضن العربي وعداً بمواصلة الجهود التي تتيح توصيل المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين في سوريا.
هل سيكون مصير القرار الجديد كمصير ما سبقه من قرارات ارتبطت بمدى تنفيذ نظام الأسد لتعهداته؟ أي الفشل؟
الجواب يبقى ملك الزمن عملاً بالمثل المصري القائل “يا خبر بفلوس بكرا ببلاش” .
لكن الملفت في استعدادات العرب للقمة العتيدة المقرر انعقادها في جدة بالمملكة العربية السعودية يوم الجمعة هو أن مهام القادة العرب تتصدرها 3 عناوين رئيسية هي: السودان، فلسطين، سوريا.
ما يعني أن لبنان ليس مطروحاً على القمة كملفّ خاص، بل يجري البحث في أوضاعه انطلاقاً من “ترددات” العنوانين الفلسطيني والسوري، بما يعني أنه سيتم بحث مشاكل لبنان بصفتها ارتداداً لمشاكل المحيط.
وهذا يعني أنّه سيتم بحث مستقبل اللاجئين السوريين في لبنان انطلاقاً من إستقرار أوضاع سوريا بما يتيح عودتهم إلى بلادهم، وهل ستكون هذه العودة إلى مناطقهم التي هجروا منها أم إلى مناطق يختارونها داخل سوريا لعدم توفر خيار عودة الكل إلى حيث كانوا قبل العام 2011؟
كما يتم بحث استقرار لبنان انطلاقاً من استقرار أوضاع فلسطين، بما يعني أنه هل ستطبق نظرية حزب حسن نصر الله المسماة وحدة الجبهات إذا اشتعلت فلسطين أو جبهة الجولان مجدداً، ما يعني بوضوح أكثر هل سيتحول لبنان مجدداً إلى جبهة حرب بالوكالة يدفع بموجبها ثمن ما يجري في فلسطين كما كان منذ توقيع اتفاق القاهرة لعام 1969 الذي ألغي بعد إنتهاء الحرب الأهلية في العام 1990؟
بغض النظر عن اجتهادات بعض “البصارين” في هذا الخصوص، يتداول سؤال محوري يعني اللبنانيين قبل أن يعني غيرهم: هل ستبحث القمة العربية في مسببات الشغور الرئاسي اللبناني من دون البحث في شخص الرئيس بذاته كونه شأناً لبنانياً؟
ليس سراً أن معضلة الشغور الرئاسي في لبنان تعتبر مصدراً لأوجاع رأس القادة العرب والأجانب معاً، خصوصاً إذا قيست ضمن نجاح نظام الأسد التوتاليتاري في إجراء انتخاباته في سوريا ولبنان في آن في العام 2014، وقياساً إلى العرس الديمقراطي التركي حيث تجري انتخابات تداول السلطة بسلاسة لا يعكرها أي شغور، من دون أن ننسى إسرائيل التي شهدت سلسلة إنتخابات مبكرة في السنوات العشر الأخيرة من دون أن تشهد فراغاً واحداً في السلطة، لا في رأس الدولة ولا في كعب السلطة.
وليس سراً أن دول العرب بغالبيتها ودول الغرب بكليتها تقف مدهوشة، بل ممتعضة ومستهجنة فشل لبنان في تبليغ حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بالاستدعاء القضائي الفرنسي للاستماع إليه وهو ما لخّصت أسبابه إحدى الإذاعات اللبنانية بعبارة “القضاء متباطئ والأمن متواطئ”!
فممن هو المتباطئ في بلد لا سرعة فيه إلا لزيادة الضرائب والرسوم وارتفاع الأسعار ولا تواطؤ فيه إلا لتحالف سلاح الغدر مع مافيا المال القذر .
السؤال الجدي في لبنان ليس متى سينتخب رئيس للجممهورية، بل من سيكون رئيس الجمهورية الذي يقود البلد إلى التعافي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والصناديق العربية؟
والسؤال الجدي في لبنان ليس متى ستتألف حكومة العهد الأولى، بل من سيكون رئيس حكومة العهد الأولى، التي ستعيد للبنان مكانته في العالم المتحضر وتخرجه من الأسرين، أسر نظام الأسد وأسر المرشد الفقيه؟
والسؤال الجدي الثالث في لبنان هو: من سيكون حاكم المصرف المركزي الذي سيعيد تنظيم القطاع المصرفي ويخرجه من دائرة سيطرة منظومة تحالف سلاح الغدر والمال القذر… ويحمي بطريقه ما تبقى من ودائع خصوصاً لمتقاعدي القطاع الخاص الذين لا معاش تقاعدي لهم ولا تأمين صحي ولم تعد تكفي سحوباتهم المصرفية لتسديد رسوم الكهرباء والماء وثمن الدواء، من دون ذكر وقود التدفئة وكلفة الغذاء..
محمد سلام - هنا لبنان