كيف يُنفَّذ قرار "الشورى" بالترقية لرتبة عميد؟
تتفاعل في الأوساط العسكرية والأمنيّة القرارات الثلاثة الصادرة قبل أيام عن مجلس شورى الدولة في شأن ترقية الضبّاط من رتبة عقيد إلى عميد.
صحيح أنّ تجارب أصحاب الحقوق مع تنفيذ القرارات القضائية مُحبِطة للغاية، لكنّ قرار "الشورى" ليس تفصيلاً. والحكم الذي صدر عن الهيئة المؤلّفة من رئيس "الشورى" القاضي فادي الياس والقاضية رانيا بو زين والقاضي كارل عيراني، والذي أجمَعَ المجلس على تقريره الأوّلي، وَضع قوى سياسية معروفة في قفص الاتّهام المباشر بـ "التنكيل" بحقوق ضبّاط أجازت القوانين العسكرية والدستور ترقيتهم.
آليّة التنفيذ
وفق معلومات "أساس" أبدت قيادات عسكرية اهتماماً بمعرفة الآلية القانونية التي تسمح بالاستفادة من أحكام الشورى الثلاثة غير المسبوقة التي قضت بإعلان حقّ الجهة المُستدعية بالترقية من رتبة عقيد وإبطال قرار "الرفض الضمني بالترقية".
ولمّا كان مقدّمو المراجعات أمام "الشورى" هم حصراً من ضبّاط قوى الأمن الداخلي من دورات 2020 و2021 و2022، ويبلغ عددهم نحو 60 ضابطاً يذكرهم قرار الشورى بالاسم لناحية حقّهم بالاستفادة الفورية من الترقية مع مفعول رجعي، فإنّ أسئلة عدّة طُرحت، وأهمّها كيفية استفادة الضبّاط المعنيّين الذين كسبوا معركتهم المُحقّة في القضاء من قرار "الشورى"؟ وهل أحكام "الشورى" تَسري على جميع الضبّاط في الأسلاك العسكرية والأمنيّة الأخرى ممّن استحقّوا الترقية إلى رتبة عميد، ومن ضمنهم ضبّاط قوى الأمن الذين لم يتقدّموا بمراجعات أمام "الشورى"؟
سوابق تُبنَى على سابقة!
بدءاً من الآن يمكن لأيّ ضابط ورد اسمه في قرار "الشورى" أن يستحصل من المجلس على نسخة أصلية صالحة للتنفيذ تُحال للإدارة للتنفيذ وفق الأصول.
تبرز في هذا الإطار وجهتا نظر. إذ يُشكّل قرار "الشورى" سابقة لناحية كسر قرار "مجموعة سياسية تخانقت مع بعضها ونَخَرتها سياسة النكايات" فأطاحت بحقوق مجموعة كبيرة من الضبّاط تحوّلت ضحية لمسؤولين يتعاطون مع مؤسّسات الدولة بذهنية الدكاكين والمتاريس. هكذا يمكن بناء سوابق على "سابقة الشورى".
يفترض هنا التذكير بأنّ الضبّاط المَعنيّين كَسَبوا معركتهم ضدّ الدولة. والدولة بهذا المعنى هي شخص معنوي لا يتجزّأ (رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، وزارات المال والداخلية والدفاع، قيادة قوى الأمن الداخلي، قيادة الجيش...).
في حالة ضبّاط قوى الأمن يستهدف القرار الإدارة المعنيّة، أي وزارة الداخلية وقيادة قوى الأمن الداخلي. مع العلم أنّ مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي برئاسة اللواء عماد عثمان قام بواجبه برفع أسماء الضبّاط المستحقّين للترقية من كلّ الدورات، ووقّعت وزارة الداخلية على المراسيم وحفظت حقوق الضبّاط بوضعهم على جداول القيد، لكنّ لبّ الأزمة هو تمنّع وزراء المال المتعاقبين (علي حسن خليل وغازي وزني ثمّ يوسف خليل) عن توقيع مراسيم ضبّاط الجيش المستحقّين للترقية من رتبة عقيد إلى عميد، فجاء ردّ رئيس الجمهورية ميشال عون بعدم توقيع كلّ مراسيم الضبّاط المستحقّين للترقية إلى رتبة عميد في كلّ الأسلاك.
التنفيذ شموليّ: جميع العقداء؟
- وجهة النظر القانونية الأولى تعطي هامشاً واسعاً جداً لتنفيذ القرار وتمنحه صفة الشمولية من دون التوقّف عند الجهة التي تقدّمت بالمراجعات أو الجهة التي وقّعت أو لم توقّع مراسيم الترقيات السابقة، وحتى تتجاوز صيغة المراسيم التي على أساسها يُرقّى الضبّاط.
يقول مصدر قانوني لـ "أساس": "بالمبدأ كلّ من تقدّم بالمراجعة القضائية أمام "الشورى" يستفيد من هذا الحكم. لكن لمّا كانت الإدارة، وفق المبادئ العامّة، هي خصم شريف وحسنة النيّة، يمكنها أن تبادِر استناداً إلى مبدأ المساواة إلى تنفيذ القرار لأنّ ترقية بعض الضبّاط دون غيرهم من شأنه أن يؤدّي إلى خلل فاضح في التراتبية العسكرية ويكرّس اللامساواة. لذلك سنداً إلى مبدأ المساواة يمكن للإدارة (وزارة الدفاع مثلاً في ما يخصّ ضبّاط الجيش) أن تُبادر إلى السماح لمن لم يتقدّموا بالمراجعة بالاستفادة من النتائج القانونية التي استحصل عليها مقدّمو المراجعة. في هذه الحال يُمكِن أيّ ضابط في الجيش مُستحقّ للترقية إلى رتبة عميد أن يُخاطِب قيادته (أو وزير الدفاع) في شأن قرار الشورى طالباً التنفيذ سنداً إلى مبدأ المساواة. وبالتالي قرار الشورى يُمكن أن يَنسحِب تلقائياً على باقي الإدارات من خلال مبادرتها إلى تنفيذ القرار الذي يَعني عسكريّيها".
يضيف المصدر: "إنّ المبدأ الذي تطرّق إليه حُكم "الشورى" هو أنّه تكلّم عن مراسيم الترقية واعتبر عدم صدور المراسيم بناءً على جداول الترقية التي كرّست حقّ الضبّاط يُشكّل سلطة اعتباطية".
يوضح المصدر: "الدولة هي شخص معنوي واحد. وبالتالي مجلس شورى الدولة يُخاطب الدولة بغضّ النظر عن الإدارة المعنيّة بالتنفيذ. الآن بوجود قرار من أعلى سلطة قضائية لم يعد للإدارة ترف عدم التنفيذ، بل هي مُلزَمة به من دون التقيّد بالضرورة بصيغة المراسيم المجمّدة على طاولة وزير المال أو رئيس الجمهورية، وإلّا يتمّ اللجوء إلى المادة 93 من نظام الشورى".
وجهة نظر مضادّة
- تفيد وجهة النظر الثانية المبنيّة أيضاً على أسسٍ قانونية بالآتي: "نحن لسنا أمام مراجعة إبطال أمام "الشورى" (تسري على الجميع)، بل هي مراجعة قضاء شامل يعود مردودها على من تقدّم فقط بالدعوى. أمّا مَن لم يتقدّم بمراجعة، فبإمكانه الاستناد إلى الحُكم الصادر ويقوم بربط نزاع مقدِّماً مراجعته أمام "شورى الدولة" عملاً بمبدأ المساواة".
إنّ الضابط الذي تقدّم بالمراجعة يستحصل على نسخة من قرار "الشورى" صالحة للتنفيذ تُحال للإدارة حيث هناك مهلة للتنفيذ.
يتمسّك أصحاب هذا الرأي القانوني "بواقع عدم إمكانية تنفيذ الحكم إلا بصدور مرسوم موقّع من الجهات الدستورية والوزراء المعنيين. وفي حال عدم الالتزام بالتنفيذ يحقّ للمتضرّر التقدّم بدعوى جديدة على الدولة اللبنانية لفرض غرامة تأخيرية عليها تتراكم مع فوائدها لصالح المدّعي. أمّا من لم يتقدّم بمراجعة أمام الشورى فلا يمكنه الاستفادة من القرار، بل عليه أن يتقدّم بدوره بدعوى لأخذ حقّه أمام مجلس الشورى".
إبطال للاستنسابيّة
تقول أوساط قضائية معنيّة لـ"أساس": "هذا القرار هو إبطال للسلطة الاستنسابية، وباتت الإدارة استناداً إلى الحكم مُلزَمة بإصدار قرار الترقية تلقائياً أو إصدار المراسيم العالقة"، لافتاً إلى أنّ "الموضوع لا يحتمل أيّ تأخير أو مواربة من قبل الإدارة العامّة. وبالتالي لا مكان للسياسة هنا والتوافق السياسي. هناك حكم قضائي مُلزِم من أعلى سلطة قضائية، وعدم التنفيذ ستترتّب عليه نتائج سلبية جداً تنعكس على المرفق العسكري بكلّ أجهزته لأنّه يخلق خللاً في التراتبية، كما أنّ هؤلاء الضباط من كلّ الأسلاك مستحقّون لرتبة ومواقع يفترض أن يشغلوها. وإذا ذهبنا بعيداً يمكن وضع سيناريو عصيان على الأمر الواقع في حال عدم التنفيذ بوجود قرار قضائي واضح ومُلزم بيد هؤلاء الضبّاط اليوم".
ملاك عقيل - اساس ميديا