اللواء ابراهيم: القلق صار خطرا
تحت عنوان "القلق صار خطرا"، كتب مدير عام الامن العام اللواء عباس إبراهيم افتتاحية مجلة "الامن العام" في عددها 113الصادر في شباط 2023، وجاء فيها:
"كل ما كان قلقا ويبعث على الريبة، صار خطرا حقيقيا يلف لبنان واللبنانيين. هو واقع مرير بحيث انه لم يتبق شيء يمكن الركون اليه، او الاستناد عليه للنهوض مجددا، خصوصا في ظل حالة التشظي التي اصابت اللبنانيين، وحوّلتهم إلى فرق وجماعات كل منها تدعي ميزة تفاضلية، بينما الحقيقة ان كل السقطات اخذت معها الجميع بلا استثناء، لأن ما حصل ويحصل هو امر طبيعي جدا بسبب الادارة السيئة للنظام الذي ارتضيناه.
هذا القول فيه شيء من الصحة والصواب السياسيين، لكن ما نزل بالبلد واهله، من بين اسبابه المؤلمة هو تفرق اللبنانيين وابتعادهم عن الهوية الوطنية الجامعة، والذهاب إلى هويات طائفية ومذهبية وحتى مناطقية. وبدل ان يستفيد المسؤولون واللبنانيون من التجارب التي خبروها، غالبيتهم ينكرون ما علمتهم إياه سنوات الحرب بالدم والقتل والخطف والتهجير القسري والطوعي.
اختبار اللبنانيين للاهوال التي مرّوا بها منذ العام 1975، لم يُفِدْهم بشيء. لا في عملية تحصين وطنهم وصون امنه واستقراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا في اعادة نسج علاقات طبيعية ومحترمة مع الدول العربية والصديقة التي تستنكف حتى هذه الساعة عن الوقوف إلى جانبهم لمساعدتهم على النهوض من هذا الانهيار واستعادة العافية للوطن. خيارات القوى الخارجية مهما كانت يبقى شأنها. وما يزيد لبنان تصدعا واهتراء هو هذا التنازع المستمر والمتواصل بأشكال مختلفة بين اللبنانيين، والذي يكرر مراحل سيرته الاولى بلا هوادة وبلا ضوابط وبلا بصيرة.
ما يبعث على القلق هو أنه، فوق الإنهيار، تنبعث دعوات تقسيمية او انفصالية، مُغلّفة بأنظمة حكم تعتمدها بعض الدول، على غرار الفيدرالية واللامركزية السياسية، بدعوة السعي إلى عيش مستقر. علما أن المواضيع الخلافية بين اللبنانيين راهنا هي متن وصلب النقاش في هذا النوع من الانظمة المقترجة، والتي تنهض على ثلاثية السياسات الدفاعية والمالية والخارجية. وهذه الثلاثية لا يمكن مقاربتها في هذه االظروف الراهنة.
طرح خيارات بديلة من النظام القائم في لبنان، والمبنية على دعوات في مواجهة الوحدة الجغرافية اللبنانية والعيش الاهلي بين ابنائه، يستدعي التحسب من جنون هذه النزعات في بلد لا يحتمل مثل هذه الامور. فالذين يطرحون هذه المسائل يغامرون بلبنان كله وبذواتهم، فضلا عن انه ينم عن جهل عميق للبعدين الطائفي والوطني اللذين تمت على اساسهما قيامة لبنان الكبير. ذلك، ان اي نظام جغرافي – ديموغرافي اخر، يتطلّب مركزية الدولة في المسائل الدفاعية والعلاقات الديبلوماسية وبناء السياسات العامة، مع قدرة حاسمة على فرض قوانين مشتركة في الامور المالية والضريبية المعقدة. وطالما ان لا شيء من ذلك عند الدولة اللبنانية قائم حاليا، فإن هذه الدعوات، وفي هذا التوقيت، لا تعني غير صورة من صور التقسيم الذي خبرناه في سنوات الحرب المريرة بالدم والقهر، يوم انفجر لبنان وعجز اللبنانيون عن التفاهم. في الماضي البعيد جربنا نظام القائمقاميتين، وكانت التجربة ان فشلنا في تقسيم المقسم وإدارته. أما في القريب منه فإن "كانتونات" الحرب انفجرت على بعضها وفي داخلها واتت على اهلها وابنائها.
هذا البلد نهض على العيش المشترك بما هو فرادة سياسية ـ إجتماعية دفعت بالبابا يوحنا بولس الثاني إلى القول بأن "لبنان رسالة". وهو كذلك، اذا ما تمت عقلنة الخطابات السياسية وجعل المؤسسات الدستورية والسياسية دوائر حوار جدي وفاعل.
من لا يريد الوحدة، فليخرج على الدستور ويعلن رأيه في ما نصت عليه مقدمة وثيقة الوفاق الوطني التي تقول لا تجزئة ولا توطين ولا تقسيم."