لبنان بلد حقائقه أسرار
كشفت الجريمة المرتكبة في بلدة العاقبية الجنوبية بحق قوة حفظ السلام الأممية مدى التباعد وعمق فجوة التناقض بين ما يطالب به المجتمع الأممي من حقوق وما يستطيع لبنان تحقيقه مما يفترض أنه واجبات على الشريك أن يؤمنها لتتكامل الشراكة بين الدولة والمجتمع الدولي.
بعد زيارة قائد الجيش اللبناني اللواء جوزف عون إلى مقر قيادة الكتيبة الإيرلندية في بلدة الطيري للتعزية بمقتل جندي وجرح ثلاثة نتيجة الجريمة التي إرتكبت في بلدة العاقبية شددت قيادة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) عبر صفحتها على “تويتر” على أهمية “أن نعرف حقيقة ما حصل وأن نشهد على محاسبة المسؤولين”…!
وشددت قيادة اليونيفل في تغريدتها على أنها تنتظر “نتائج التحقيقات (وتحقيق) العدالة لأجل الجندي (الإيرلندي شون) روني” الذي قتل في الكمين الذي استهدف آلية اليونيفل التي كان يقودها لدى دخولها إلى بلدة العاقبية وإصابة ثلاثة من الجنود الإيرلنديين الذين كانوا معه بجروح.
من سيحاسب المجرمين ومن سيؤمن العدالة المطلوبة ليس فقط للمصابين أو للكتيبة الإيرلندية، لأن الجريمة وما سبقها من إعتداءات من قبل “أهالي” إستهدفت عدداً من كتائب اليونيفيل الممثلة لـ 48 دولة وطاقمها البالغ عديده 9923 عنصراً وهذا ما يعبّر عنه بوضوح تصريح رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن للإعلام الدولي إذ قال إن الجريمة حصلت نتيجة تواجد قوات بلاده في “بيئة عدائية صعبة”!
مصدر أممي معني بمتابعة تطورات عمليات حفظ السلام يعتبر أن الجريمة التي ارتكبت في بلدة العاقبية هي “جريمة سياسية والمعروف عن لبنان أنه لا يختم أي تحقيق في أي جريمة سياسية ولا يعلن عن نتائج تحقيقاته… هذا إذا استكملت التحقيقات، وإذا ظهرت الحقيقة وإذا تحققت العدالة.”
في لبنان قتل أربع قضاة رمياً بالرصاص في قاعة المحكمة بمدينة صيدا الجنوبية في 8 حزيران 1999، وصدر القرار الظني بعد 18 عاماً في 25 تشرين الأول 2017 متهماً عصبة الأنصار الإسلامية بإرتكاب الجريمة وصدر الحكم الغيابي عن المجلس العدلي في العام 2019 بعد مرور 20 عاماً على إرتكاب الجريمة فقضى بإنزال عقوبة الإعدام بحق خمسة متهمين فارين منهم رئيس عصبة الأنصار أحمد عبد الكريم السعدي الملقب بأبو محجن وأعلن عن براءة الموقوف الوحيد الفلسطيني وسام طحبيش.
الحقيقة ظهرت بعد 20 عاماً على إرتكاب الجريمة، لكن العدالة لم تتحقق وتقيحت جروح أهالي الضحايا جراء طول الإنتظار لأن العقاب لم يقع على المحكومين المتوارين.
سجل لبنان في حل ألغاز الجرائم السياسية لا يشجع على التفاؤل بحل ألغاز جريمة الاعتداء على اليونيفيل، خصوصاً أنه لم يحقق أي خطوة يعتدّ بها في حل ألغاز اغتيال قياداته السياسية والعسكرية منذ اغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار 1976 حتى اغتيال محمد شطح في 27 كانون الأول 2014 مروراً بمدير عمليات الجيش العميد الركن فرانسوا الحاج في 12 كانون الأول 2007 ورئيس شعبة المعلومات وسام الحسن في 19 تشرين الأول 2012 من دون أن ننسى اغتيال رئيس بلدية صيدا معروف سعد في العام 1975 واغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 ورئيسي الجمهورية بشير الجميل في 14 أيلول 1982 ورينيه معوض في ذكرى الإستقلال 22 تشرين الثاني 1989.
لبنان هذا الذي يحمل على منكبيه هذا التاريخ غير المشرّف من عدم كشف الحقائق وتحقيق العدالة “هل سيكشف من اعتدى ويعتدي على اليونيفل؟” سأل المصدر الأممي الذي تحدث شرط عدم كشف هويته.
وختم موضحاً: “لا نسأل هل سيعرف لبنان من اعتدى ويعتدي على اليونيفل لأننا نعرف أنه يعرف، لكننا نسأل هل سيكشف ما عرف لأننا نعرف أن لبنان لا يجرؤ على كشف الحقائق. هذه معضلة لبنان: بلد حقائقه أسرار يعرفها الجميع لكن لا يعلن عنها أحد”.
محمد سلام - هنا لبنان